إذا عرفت هذه الجملة فاستمع لما يتلى عليك من تفسير هذه السورة الشريفة،فنقول :
قال الله تبارك وتعالى : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وهذا تعليم للعباد ، وإرشاد لهم إلى سنن السداد ، ليكمل جلائل مقاصدهم ، ويتمّ عظائم فوائدهم ؛ أي : قولوا يا عبادي! هذه الكلمات متوسّلين بها إلى نجح الكرامات ، وتقدير القول في أمثال المقام ممّا لا بدّ منه ؛ كما لا يخفى.
وفضائل البسملة وأسرارها وخواصّها ممّا لا يعدّ ولا يحصى ، بل المؤمن بتركها في مواردها يمحّص ويبتلى ؛ كما يشهد به قصّة عبد الله بن يحيى ، فإنّه دخل على أمير المؤمنين عليه السلام وبين يديه كرسيّ فأمره بالجلوس ، فجلس عليه ، فمال به حتّى سقط على رأسه ، فأوضح عن عظم رأسه وسال الدم ، فأمر [أمير المؤمنين] عليه السلام بماء ، فغسل عنه ذلك الدم ، ثمّ قال : ادن منّي ، فدنا منه ، فوضع يده على موضحته وقد كان يجد [من] ألمها ما لا صبر له معه ، ومسح يده عليها وتفل فيها [فما هو أن فعل ذلك] حتّى اندمل وصار كأنّه لم يصبه شيء قطّ.
ثمّ قال عليه السلام : يا عبد الله ، الحمد لله الّذي جعل تمحيص ذنوب شيعتنا في الدنيا بمحنتهم ، لتسلم لهم طاعتهم ، ويستحقّوا عليها ثوابها.
فقال عبد الله [بن يحيى] : يا أمير المؤمنين ، [و] إنّا لا نجازى بذنوبنا إلّا في الدنيا؟
قال : نعم ، أما سمعت قول رسول الله صلّى الله عليه وآله : الدنيا سجن المؤمن ، وجنّة الكافر ، إنّ الله يطهّر شيعتنا من ذنوبهم في الدنيا بما يبتليهم