الشاكر ، وأمّا إن جعلناه بمعنى كثير الشكر ، فلا ينفي كثرة الشاكرين إذا كان شكر كلّ منهم قليلا ، ثمّ إنّ قلّة الفعل لا تقتضي قلّة الفاعل ؛ بخلاف العكس. فتدبّر.
ونصب «قليلا» على كونه وصفا لظرف محذوف وهو «الحين». ويحتمل أن يكون لنيابته عن المصدر ، أي : وتشكرون شكرا قليلا. ومن المحتمل بعيدا كون «ما» نافية ، فيكون المراد نفي شكرهم بالمرّة. فتأمّل.
(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) هذا تذكير آخر ، بل برهان على أنّ الملجأ في جميع الأمور هو الله الحقّ دون الأصنام الّتي كانوا يعبدونها على الباطل ، فإنّه هو الخالق للجميع ، القادر على كلّ شيء ، وهو المرجع في القيامة للحساب والمجازاة دون هذه التماثيل الّتي كانوا يعكفون عليها بعد أن نحتوها وخلقوها بأيديهم ، وهي لا تقدر على نفع ولا ضرّ ، ولا على خلق مثل ذباب ، ولا على مجازاة وحساب.
و «الذرء» بالهمزة : الخلق ؛ كما في الآية ؛ وقوله : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ) ... (١) إلى آخره. ومنه الذرّيّة بتثليث الذال وأصلها الذروءة على وزن الفعولة ، فأبدلت الهمزة ياء ؛ كما في «النبيء» فإنّه من النبأ على ما قيل.
وقيل : إنّها من الذرّ ، وهو البثّ والتفريق ، لأنّه تعالى ذرّهم ونشرهم في الأرض ، فالوزن فعلولة فأبدلوا الراء الأخيرة ياء ، ثمّ أدغمت الواو فيها بعد قلب الواو ياء.
__________________
(١) الأعراف : ١٧٩.