المقالة الثالثة : في مجمل من الجبر والتفويض والأمر بين الأمرين
على طريق الإجمال
فنقول : قد اختلفت الامّة في ذلك على أقوال :
الأوّل : إنّ الله قد أجبر عباده في أفعالهم ، فهو خالقها ؛ لقوله تعالى : (اللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (١) فليس للعبد فيها قدرة ، بل هو كالآلة يصيّرها القادر حيث شاء. وذهب إلى ذلك القول بعض الصوفيّة ، وأثبت بذلك التوحيد الفعليّ وقال : وكلّ الّذي شاهدته فعل واحد ولا فاعل سواه وكلّ من عنده.
گر رنج به پشت آيد گر راحت اى حكيم |
|
نسبت مكن به غير كه اينها خدا كند |
وتسمّى تلك الفرقة بـ «الجبريّة» أيضا.
الثاني : إنّ الفعل صادر عن العبد من غير مدد من الله ، بل هو مفوّض إليه وليس للحقّ في فعله قدرة أصلا ، وتسمّى تلك الفرقة بـ «القدريّة» و «المفوّضة» وهم مجوس هذه الامّة ؛ ولعنت على لسان سبعين نبيّا.
الثالث : إنّ العمل صادر عن العبد مع الخذلان في المعصية عن الله والمعونة في الطاعة ، وذلك معنى «الأمر بين الأمرين» وهو الحسنة الّتي بين السيّئتين ، وفي قوله تعالى : (إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) إشارة إلى ذلك ، لأنّ معناه : إنّي أعبدك مستعينا منك في الطاعة ، ومستمدّا منك في العبادة. وفي هذا المقام تفاصيل كثيرة لا يسعها المقام ، ونحن ذكرنا بعضها في «أسرار العارفين» و «شمس المشارق» فارجع إليهما.
__________________
(١) الصافات : ٩٦.