وعن الفرّاء : قوله : (أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) ... إلى آخره. تعريف حجّة ألزمها الله العباد فعرفوا فأقرّوا بها ولم يردّوا لها جوابا ، فقال سبحانه : (بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) (١). انتهى.
و «اللجاجة» و «اللجوجة» : ملازمة الشيء ومواظبته والاستمرار عليه.
و «العتوّ» : التجبّر والتكبّر ، وقد تقلب الواو ياء بعد إبدال الضمّة كسرة ، فيقال : عتى بضمّ المهملة أو كسرها.
و «النفور» : التباعد عن الحقّ والإيمان.
وفي الآية إشارة إلى أنّ الحجّة قد تمّت على هؤلاء الكفّار العابدين للأوثان ، وأنّ الحقّ لم يؤثّر في قلوبهم القاسية الّتي طبع ورين وختم عليها ، بل زادهم طغيانا وكفرا ؛ كما قال : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِيماناً) ـ إلى قوله ـ (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَماتُوا وَهُمْ كافِرُونَ) (٢).
(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
قال صاحب الحقائق : شبّه الله صاحب النفس الّذي يمشي قلبه في ظلماتها لا يدري أين يمشي بالأعمى الّذي يخبط خبط العشواء في ظلمات هو كمن يمشي روحه في طرق الملكوت بنعت المعرفة والسريان في أنوار المشاهدة.
قال سهل : مكبّا ، أي : مطرقا إلى هوى نفسه بجبلّة خلقته بعد هدى ربّه
__________________
(١) مجمع البيان ١٠ : ٤١٥.
(٢) البقرة : ١٢٤ ـ ١٢٥.