الحقّ والهدى ، وأنّ الرسل على الضلالة في دعواهم الرسالة من جانب الله ؛ كما يرشد إليه قوله ـ حكاية عن قوم صالح عليه السلام ـ : (أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ) (١) وقوله ـ حكاية عن أهل أنطاكية ـ : (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) (٢).
وقيل : إنّه من كلام الخزنة للكفّار على تقدير القول ، أي : فيقول لهم مالك وأعوانه ـ بعد قول الكفّار : بلى قد جاءنا ـ : إن أنتم إلّا في ضلال كبير ، أي : إلّا في عذاب أليم شديد ؛ كما في الصادقي عليه السلام.
فالمراد بـ «الضلال» الهلاك ، أو عقابه ، بتقدير المضاف.
وقيل : إنّه من كلام الرسل لهم حكوه للخزنة ؛ أي قالوا لنا هذا فلم نقبله.
(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) ومفهومه : إنّا لم نسمع ، ولم نعقل ، فكنّا من أصحاب السعير ، فإنّ كلمة «لو» لامتناع الجواب بامتناع الشرط ؛ كما عليه أكثر النحاة ، أو العكس ؛ كما عليه ابن الحاجب.
فإنّ الأوّل سبب ، والمسبّب قد يكون أعمّ من السبب ؛ كالإشراق الحاصل من النار والشمس. قال : فالأولى أن يقال : انتفاء الأوّل لانتفاء الثاني ، لأنّ انتفاء المسبّب يدلّ على انتفاء كلّ سبب. وعلى ما ذكره ، ففي الآية دلالة على أنّ السبب لعدم السماع ، والعقل هو القضاء الأزليّ بالشقاوة الداعية إلى كونهم من أصحاب السعير ؛ كما يشير إليه قوله : (أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ
__________________
(١) القمر : ٢٤.
(٢) يس : ١٥.