المنافقين ، بقرينة قوله : قد ميّزهم الله من المسلمين (١). وهذا راجع إلى ما سبق أيضا. فتأمّل.
وفي قولهم : (بَلى) في جواب قول الخزنة تصديق بإتيان النذير ، واعتراف به ؛ كما صرّحوا به في قولهم : (قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ) (٢) فإنّ الهمزة ليست للاستفهام الحقيقيّ ، بل هي للإنكار الإبطاليّ ، فيقتضي أنّ ما بعدها خبر واقع ، وأنّ مدّعيه كاذب ؛ كما في قوله : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ) (٣) وقوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً) ... (٤) إلى آخره. فيلزم ثبوته إن كان منفيّا ، فإنّ هذه الهمزة مفيدة للنفي ، ونفي النفي إثبات ، وكلمة «بلى» مختصّة بالنفي ، فتفيد إبطال ما ولي الهمزة ؛ كما في قوله : (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلى وَرَبِّي) (٥) وقوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ * بَلى) ... (٦) إلى آخره.
وربّما يعبّر عن هذه الهمزة بالاستفهام التقريريّ ؛ بناء على أنّه تقرير بما بعد النفي لا بالمنفي ، ولا مشاحّة فيه ، وإن كان تعبير الأكثر أجدر.
والظاهر أنّ قوله : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) (٧) حكاية عن قول الكفّار في جواب الخزنة ، ففيه دلالة على أنّهم كانوا يعتقدون في الدنيا أنّهم على
__________________
(١) بحار الأنوار ٧ : ٨٩.
(٢) الملك : ٩.
(٣) الأعراف : ١٧٢.
(٤) الإسراء : ٤٠.
(٥) التغابن : ٧.
(٦) القيامة : ٣ ـ ٤.
(٧) الملك : ٩.