بالخطيئة تزيّن له روح الشهوة ، وشجّعه روح القوّة ، وقاده روح البدن حتّى يوقعه في تلك الخطيئة ، فإذا لامس الخطيئة انتقص من الإيمان وانتقص الإيمان منه ، فإن تاب تاب الله عليه.
إلى أن قال : وأمّا ما ذكرت من أصحاب المشأمة فمنهم أهل الكتاب ، قال الله تبارك وتعالى : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) (١) عرفوا رسول الله والوصيّ من بعده وكتموا ما عرفوا من الحقّ بغيا وحسدا ، فسلبهم روح الإيمان ، وجعل لهم ثلاثة أرواح : روح القوّة ، وروح الشهوة وروح البدن ، ثمّ أضافهم إلى الأنعام فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) (٢) لأنّ الدابّة إنّما تحمل بروح القوّة ، وتعتلف بروح الشهوة ، وتسير بروح البدن (٣). انتهى.
ولعلّ في التعبير بلفظ الماضي إشارة إلى أنّ الله قد علم في الأزل بكفرهم وضلالتهم فوقع على هذا قضاؤه السابق ، فحقّ عليهم كلمة العذاب ؛ كما قال : (وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) (٤) وقال : (لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٥).
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً) يحتمل أن يكون
__________________
(١) البقرة : ١٤٦ و ١٤٧.
(٢) الفرقان : ٤٤.
(٣) بحار الأنوار ٦٩ : ١٩١.
(٤) غافر : ٦.
(٥) يس : ٧.