وفي الآية أيضا إشارة إلى أنّ الإيمان الّذي هو غاية إرسال الرسل جوهر فوق الجواهر وأعلاها وأبهاها وأغلاها ، فإنّه جوهر لا تذيبه النار ، ولا يغرقه الماء ، ولا يكسره آلة من الآلات ، فلا يضرّ المؤمن فقد الجواهر المعدنيّة وعدم الزخارف الدنيويّة ، وهذه الجواهر ... ما ضرّ واجدها لو كان عادم طنّين وحراء ، والسرّ في ذلك أن عظمة المقدّمة دالّة على أعظميّة ذيّها (١).
(إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) قد عرفت أنّ حقيقته المقدّسة في الأسماء التكوينيّة بمنزلة اسم الله في الأسماء التدوينيّة ، فقد جعله الله بمنزلة نفسه في جميع الأمور ؛ كما قال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٢) ومنها : المبايعة والمعاهدة على أحكام الإسلام ونصرة الرسول في جميع الأيّام والأعوام.
وفي رواية عبد السلام المرويّة في العيون قال : قلت لعليّ بن موسى الرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وآله ما تقول في الحديث الّذي يرويه أهل الحديث ، إنّ المؤمنين يزورون ربّهم من منازلهم في الجنّة؟ فقال : يا أبا الصلت ، إنّ الله فضّل نبيّه محمّدا صلّى الله عليه وآله على جميع خلقه من النبيّين والملائكة ، وجعل طاعته طاعته ، ومبايعته مبايعته ، وزيارته في الدنيا والآخرة زيارته ، فقال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (٣) وقال النبيّ
__________________
(١) العبارة في النسختين غير واضحة. والاضطراب واضح فيها.
(٢) النساء : ٨٠.
(٣) الفتح : ١٠.