أن قال ـ ومن لا يعتبر بالموت ، وقلّة حيلته ، وكثرة عجزه ، وطول مقامه في القبر ، وتحيّره في القيامة ، فلا خير فيه ... (١) إلى آخره.
ولمّا كانت الآية مسوقة للترغيب على الطاعة ، والترهيب عن المعصية والمخالفة ، ختمها باسمي «العزيز» و «الغفور» لدلالة الأوّل على أنّه الغالب الّذي لا يعجزه من خالف أمره ونهيه ، فلا ينقص من ملكه إساءة المسيء ، وكفر الكافر ، والثاني على أنّه لا ينبغي للعاصي أن ييأس من روحه ورحمته ، فإنّه غفّار لمن تاب وعمل صالحا.
وفي العرائس : عن سهل أنّه قال في قوله تعالى : (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) الممتنع في ملكه ، الغفور يستره بجوده.
(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ) ويحتمل في ما قدّمناه وكونه نعتا للغفور ومبتدأ خبره ما ترى. وفيه أيضا برهان على كمال قدرته ، وإشارة إلى بعض آثار نافذ مشيّته. وفي قوله (خَلَقَ) ردّ على من زعم من الفلاسفة أنّ الأفلاك وأجرامها قديمة أزليّة بالذات والصفات ؛ كأرسطو ، وأبي نصر الفارابيّ ، ومن زعم أنّها قديمة الذات محدثة الصفات كتاليس الملطيّ ، وانكساغورس ، وفيثاغورس ، وسقراط ، وجميع فرق الثنويّة ، فإنّ الخلق معناه الاختراع ، ويلزمه الحدوث ؛ وعليه المسلمون كافّة ، بل جميع أهل الملل إلّا بعض المجوس. وهذا مذهب أفلاطون على ما حكي عنه.
__________________
(١) مصباح الشريعة : ١٧١.