صنع الله وقدرته ، وإنّما جمع الأبصار لاختلاف أجناس المبصرات ، دون السمع لاختصاصه بالأصوات.
ومنها : الفؤاد ، ليتعقّلوا به الأمور ، ويتميّزوا بينها ، فيتفكّروا في آيات الله فيصلوا به إلى مراتب العلم واليقين. جمعه لما تقدّم من اختلاف أجناس متعلّقاته وظاهر كلمات أهل اللغة أنّ الفؤاد والقلب مترادفان ، ولكن فسّره بعضهم بأنّه غشاء القلب ، فإذا رقّ نفذ القول فيه وخلص إلى ما وراءه ، وإذا غلظ تعذّر وصوله إلى داخله.
قيل : ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد ، ولا أشدّ تأذّيا منه.
وكيف كان ، فإذا صرف العبد هذه الثلاثة في غير ما خلقت لأجله فقد كفر بأنعم الله ؛ وقد قال : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) (١) وقال : (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ) ... (٢) إلى آخره.
وجملة (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) مستأنفة مخبرة بقلّة شكرهم ؛ كما صرّح به بعضهم. و «ما» مزيدة للتأكيد والتحقيق والمبالغة في القلّة ، ويحتمل كونها موصولة حرفيّة تؤوّل مع صلته بالمصدر ، ولذا تسمّى مصدريّة ؛ أي قليلا شكركم ، فالقلّة راجعة إلى الفعل ، ويحتمل رجوعها إلى الفاعل ؛ كما هو مؤدّى قوله تعالى : (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) إن جعلنا الشكور بمعنى
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.
(٢) الأعراف : ١٧٩.