أشدّ من اهتمامهم بأمر آخرتهم ودينهم ، وقد قال الله : (قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ وَإِخْوانُكُمْ وَأَزْواجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَتِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (١) وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٢).
ويمكن قراءة «المخلّفون» بتخفيف اللام ؛ أي الّذين أخلفوا ما عاهدوا الله عليه ، إلّا أنّي لم أجد من قرأ بها.
وكيف كان ، فاعتذار المخلّفين أو المخلفين أعظم وأشدّ من ذنبهم ، فإنّه راجع إلى أنّ أموالهم وأهليهم أحبّ إليهم من الله ورسوله وجهاد في سبيله ، والإخلال بشرط الإيمان وهي محبّة الله ورسوله لكونه إخلالا بأصول الدين أعظم ذنبا من إخلالهم بالجهاد الّذي هو من فروع الدين ، مع أنّ في طلبهم العفو والغفران مع عدم إذعانهم بكون ما صدر عنهم ذنبا لكونهم منافقين ، وأنّ ما يقولون بألسنتهم من الشهادة بالتوحيد والرسالة ليس ممّا يعتقدونه بقلوبهم ، نوع استهزاء برسول الله وتجهيل له ، باعتقادهم أنّه لا يعلم بواطن أمورهم ، ولا يطلعه الله على سرائر قلوبهم بالوحي إليه ، كما قال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) إلى قوله تعالى (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ
__________________
(١) التوبة : ٢٤.
(٢) التوبة : ٣٨.