والسرّ في نفاقهم ، أنّهم لبعدهم عن حضرة الرسول وأصحابه العارفين بالأحكام ، المطّلعين على المعجزات العظام ، الواقفين على سيرة سيّد الأنام ، لم يحصل لهم مقام اليقين الّذي هو حقيقة الإيمان الّذي هو روح الإسلام ، ولذا كانوا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم كما هو حدّ (١) النفاق ، وكانوا لا يعتقدون بأنّ الأمور كلّها تجري بأمر الله ، وأنّ غيره لا يقدر على نفع ولا ضرر إلّا بإذن الله ، وكانوا لا يتوكّلون في أمورهم على الله.
روى أبو بصير عن الصادق عليه السلام أنّه قال : ليس شيء إلّا وله حدّ. قال : قلت : جعلت فداك ، فما حدّ التوكّل؟ قال : اليقين ، قلت : فما حدّ اليقين؟ قال : أن لا تخاف مع الله شيئا (٢).
وفي رواية زرارة عنه عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام على المنبر : لا يجد أحدكم طعم الإيمان حتّى يعلم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه (٣).
ونحوها رواية صفوان الجمّال ، ولكن بزيادة : وأنّ الضارّ النافع هو الله (٤).
وفي رواية ابن أسباط : ومن أيقن بالقدر علم أنّ ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فلم يحزن على ما فاته ، ولم يخش إلّا الله (٥). انتهى.
ومن دلائل نفاقهم اعتذارهم بما يدلّ على أنّ اهتمامهم بدنياهم كان
__________________
(١) أي تعريف النفاق.
(٢) الكافي ٢ : ٥٧.
(٣) الكافي ٢ : ٥٨.
(٤) الكافي ٢ : ٥٨.
(٥) الكافي ٢ : ٥٩.