أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) إخبار عن الغيب ، فإنّ هذا القول قد قيل بعد نزول هذه الآية ، فإنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله لمّا أراد المسير إلى مكّة عام الحديبيّة للحجّ والعمرة ـ وكان ذلك في سنة السّت من هجرته منها ـ طلب أن ينفر معه الأعراب الساكنون حول المدينة من القبائل المتفرّقة ، فتخلّف منهم قبائل كأسلم وجهينة ومزينة وغفّار ؛ زعما منهم أنّ النبيّ وأصحابه لا يقدرون على مقاتلة قريش لكثرة عددهم وعدّتهم ، فاعتذروا بأنّ الأوان أوان شغلهم بأموالهم وأهليهم ، وأنّه ليس لهم من يقوم بإصلاح أمورهم وتنظيم أشغالهم ، وظنّوا أنّ تخلّفهم يدفع عنهم الضرّ أو يعجّل لهم النفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم وأهليهم ، وأنّ النبيّ وأصحابه لا يفلت أحد منهم من أيدي قريش ، وقالوا : استغفر لنا من الله في هذا التخلّف عن الخروج والقعود عن النفر ، وإنّما قالوا ذلك نفاقا ، وتخلّفوا عن المؤمنين خوفا من غلبة قريش عليهم ، وحذرا من القتل والاستئصال.
و «المخلّفون» بتشديد اللام المفتوحة ، المتروكون في المدينة خلف الخارجين منها ، يقال : خلّفه إذا تركه خلفه ، فتخلّف ؛ أي قعد عن الخروج ، وفي العدول عن لفظ التخلّف إلى التخليف مع أنّهم كانوا متخلّفين إشارة إلى أنّهم لمّا تخلّفوا عن المؤمنين خذلهم الله وتركهم في ظلمات النفاق ، فكانوا مخلّفين بعد أن صاروا متخلّفين.
و «الأعراب» اسم جمع للجماعة من عرب البادية خاصّة ، وقد قال في حقّهم : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ) ... (١) إلى آخره.
__________________
(١) التوبة : ٩٧.