ومن المحتمل أن يكون المشار إليه بذلك هو التزكّي المفهوم من الكلام السابق ، ويكشف عنه قوله تعالى في سورة «النور» (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً) (١).
والظاهر أنّ المراد بكونه ذا الفضل العظيم أنّه لا ينقص من عطائه شيء وإن أعطى ما أعطى ، فإنّ عنده خزائن كلّ شيء كما قال (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا) ... (٢) إلى آخره ، وفي الحديث : لو أنّ أهل سماواتي وأهل أرضي أمّلوا جميعا ثمّ أعطيت كلّ واحد منهم مثل ما أمّل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرّة ، وكيف ينقص ملك أنا قيّمه ، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني (٣). انتهى.
ولعلّ النكتة في تعبير المسند إليه في قوله (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ) باسم الإشارة إلى البعيد تعظيم المشار إليه كما في قوله (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) (٤) فنزل بعد الدرجة ورفعة المحلّ ، منزلة بعد المسافة ، ففيه إشارة إلى أنّ الرسالة منصب فوق جميع المناصب ؛ لا تناله يد كلّ أحد ، ولا يدرك بالكسب لكونه موهبة عظيمة من عند الله ، وقد أحسن من قال بالفارسية :
از رياضت كى توان الله شد |
|
كى توان موسى كليم الله شد |
قال التفتازانيّ : وقد يقصد به تعظيم المشير كقول الأمير لبعض حاضريه ذلك قال كذا. انتهى ، فتأمل.
__________________
(١) النور : ٢١.
(٢) الحجر : ٢١.
(٣) الكافي ٢ : ٦٦.
(٤) البقرة : ١ ـ ٢.