الاحتضار ومعاينته ما يحبّ ، ويحمل كراهة لقاء الله على هذه الحالة لغير المؤمن ، فإنّه يعاين ما يسوؤه فيكره الموت. انتهى ، فتأمّل.
وعلى هذه الأخبار سؤال آخر ، وهو أنّ التردّد لا يجوز إلّا على الجاهل ، فلا معنى لتردّد الله سبحانه؟
وقد أجيب عنه تارة بأنّ المراد تردّد الملائكة الموكّلين على الموت.
وأخرى : بأنّ في الكلام إضمارا ، فإنّ التقدير : ما تردّدت لو جاز لي التردّد.
وثالثة : بأنّ في الكلام استعارة تمثيليّة عن الإكرام والاحترام.
ورابعة : بأنّ المراد تشبيه ما يظهره الله للمؤمن عند احتضاره من اللطف والإكرام والبشارة ، بحيث يزيل عنه كراهة الموت بمعاملة من يريد أن يؤلّم حبيبه بما يترتّب عليه منافع عظيمة فيتردّد في فعله ، وفي بعض هذه الوجوه ما لا يخفى ، ولسنا نحن الآن بصدد شرح هذا المطلب ، وإنّما أشرنا إليه استطرادا ، فلنرجع إلى ما كنّا فيه.
فنقول : لا ريب في أنّ الوليّ لله المحبّ له شائق إلى لقائه ، فلا يكره الموت ، بل يتمنّاه ، فاليهود المدّعون لهذا المقام الّذين لا يتمنّون الموت أبدا كاذبون في هذه الدعوى ، قال عيسى ابن مريم عليه السلام : ويلكم يا عبيد الدنيا ، من أجل نعمة زائلة وحياة منقطعة تفرّون من الله وتكرهون لقاءه ، فكيف يحبّ الله لقاءكم وأنتم تكرهون لقاءه؟! فإنّما يحبّ الله لقاء من يحبّ لقاءه ، وكيف تزعمون أنّكم أولياء الله من دون الناس وأنتم تفرّون من الموت وتعتصمون بالدنيا؟! فماذا يغني عن الميّت طيب ريح حنوطه ،