الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ) (١) فإنّه ـ على ما صرّح به التفتازانيّ ـ لا يريد بهذا الخطاب مخاطبا معيّنا قصدا إلى تفظيع حال المجرمين ؛ أي عظمت حالهم الفظيعة في الظهور ، وبلغت النهاية في الانكشاف لأهل المحشر إلى حيث يمتنع خفاؤها ، فلا تختصّ بها رؤية راء دون راء ، فلا يختصّ به مخاطب دون مخاطب ، بل كلّ من تتأتّى منه الرؤية ، فلا يدخل في هذا الخطاب. ومثله قولهم : «فلان لئيم ؛ إن أكرمته أهانك ، وإن أحسنت إليه أساء إليك» إذ لا يريدون بذلك مخاطبا معيّنا ، بل يريدون إن أكرم إليه وأحسن إليه أهان وأساء.
وعلى هذا ففي الآية دلالة على أنّ هذه الرؤية غير متميّزة لأحد من الناظرين. وأمّا على الأوّل ، فالدلالة على ذلك بالفحوى تعني أنّه إذا لم تتيسّر الرؤية المذكورة للنبيّ صلّى الله عليه وآله الّذي هو أشرف الخلق وأكملهم في البصر والبصيرة ، فكيف لغيره؟ فافهم.
قال صاحب العرائس بعد ذكر هذه الآية : حارت الأبصار والبصائر عن إدراك مائيّة استواء أفعاله ، لأنّها عاجزة عن اللحوق بجريان قدرته الواسعة فيها ، فإذا كانت كذلك في إدراك خلقه ، فكيف تشاهد جلال القدم والأبصار والبصائر والقلوب والأرواح والعقول فانية حسيرة في أوّل سطوة من سطوات عظمته ، راجعة عنها خاسئة ، ولا يبقى عليها من العلم والعرفان. انتهى.
وقد يقال : إنّ في الآية إشارة إلى أنّ فعل الله إذا كان منزّها عن العيب والنقص فذاته أشدّ امتناعا عن ذلك ، تعالى عمّا يصفه الملحدون ، وسبحان الله عمّا يصفون.
__________________
(١) السجدة : ١٢.