فالناس موتى وأهل العلم أحياء (١)
وحكي أنّ فلسفيّا خبيثا تليت عنده هذه الآية فقال : نأتي حينئذ بالماء بمعاونة الفؤوس والمعاول ، يعني بحفر الآبار ، فذهب ماء عينيه فصار أعمى لا يبصر شيئا ، فقيل له : ائت بماء عينك بالفؤوس والمعاول. وقد نظم المولويّ هذه القصّة في مثنويّه ، وأشار إليها الزمخشريّ في كشّافه.
ومن المحتمل أن يراد بالماء : الروح ، فيكون المعنى : إن أصبحت أرواحكم غائبة عن أبدانكم فمن يقدر على إرجاعها إلى أبدانكم؟ كما قال : (فَلَوْ لا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٢).
ومن المحتمل أن يراد به النفس الناطقة الّتي هي ملاك الإنسانيّة ، ومنشأ العلم والمعرفة ، فيكون المعنى : إن أصبحتم مسوخا فمن يقدر على تبديل صوركم إلى صورة الإنسان ، وقلب حقيقتكم الناهقيّة إلى الفطرة الإنسانيّة.
وبعبارة أخرى : لو قال لكم مثلا «كونوا قردة خاسئين» كما قال لجماعة من بني إسرائيل فمن يقدر على تبديل ذلك؟! فكيف لا تشكرون ولا تؤمنون؟
ومن المحتمل أن يراد به نفس الوجود ، فيكون المعنى : إن ردّكم إلى ما كنتم عليه من العدم ؛ كما أخبر عنكم بقوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً) (٣) وسلبكم نعمة الوجود ، فهل يقدر أحد على إيجادكم وإيتائكم السمع والبصر والفؤاد؟! فكيف لا تشكرون نعمة الوجود الّتي هي أصل كلّ فيض وجود؟ وكيف تتّخذون من دونه آلهة تعبدون!
__________________
(١) ديوان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام : ٢٤. وأوّل البيت : ففز بعلم ولا ترضى به بدلا ...
(٢) الواقعة : ٨٦ ـ ٨٧.
(٣) الإنسان : ١.