.................................................................................................
______________________________________________________
ولكن ما ذكره (قدس سره) من الرجوع إلى الاستصحاب غير وجيه ، إذ لا مجال للرجوع إليه في الشبهات المفهوميّة الدائرة بين الأقلّ والأكثر.
ووجهه : ما تعرّضنا له في الأُصول مستقصًى (١).
وملخّصه : أنّ الاستصحاب ناظرٌ إلى إبقاء ما شكّ في بقائه من وجودٍ أو عدم ، وهذا غير متحقّق في موارد الشبهات المفهوميّة ، لتعلّق الشكّ فيها بشيءٍ آخر أجنبي عن يقين المكلّف ، وشكّه مثلاً إذا شكّ في بقاء النهار من أجل الشكّ في مفهوم الغروب وتردّده بين سقوط القرص أو زوال الحمرة المشرقيّة ، فليس لدينا حينئذٍ أيّ شكٍّ في الموجود الخارجي ، لأنّ الغروب بمعنى السقوط متحقّق وجداناً ، وبمعنى الزوال غير متحقّق وجداناً أيضاً ، فيستصحب أيّ شيءٍ بعد كون كلٍّ منهما متيقّناً؟! نعم ، يشكّ في مفهوم الغروب عرفاً وأنّ اللفظ اسمٌ لأيٍّ منهما ، فالشكّ في الحقيقة شكٌّ في الوضع اللغوي أو العرفي ، ومن البديهي خروج إثباته عن عهدة الاستصحاب.
وبالجملة : فليس لدينا موجود خارجي أو معدوم يُشَكّ في بقائه كي يُستصحَب.
نعم ، الحكم الشرعي مشكوكٌ فيه ، وهو جواز الإتيان بالظهرين أو عدم جواز الإتيان بالعشاءين أو الإفطار في المتخلّل ما بين الوقتين ، فإنّه في نفسه قابلٌ للاستصحاب ، لتماميّة الأركان ، إلّا أنّه لا يجري من جهة الشكّ في الموضوع ، فإنّ جواز الإتيان بالظهرين قبل ذلك إنّما كان من أجل بقاء موضوعه وهو النهار وهذا فعلاً مشكوكٌ فيه حسب الفرض ، وكذا الحال في الحكمين الآخرين ، للشكّ في تحقّق موضوعهما ، وهو الليل. وتفصيل الكلام في محلّه.
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٢٣٤.