فاما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن ، ويعتسفون نفي هذه التصورات لمجرد أن العلم لم يصل إلى شيء منها فهم مضحكون حقاً! فالعلمُ لا يعلم اسرار الموجودات الظاهرة بين يديه والّتي يستخدمها في تجاربه ، وهذا لا ينفي وجودها طبعاً! فضلا عن العلماء الحقيقيين اخذت جماعة كبيرة منهم تؤمن بالمجهول على طريق المتدينين أو على الأقل لا ينكرون ما لا يعلمون ، لأنهم بالتجربة وجدوا أنفسهم ـ عن طريق العلم ذاته ـ أمام مجاهيل فيما بين ايديهم ممّا كانوا يحسبون انهم فرغوا من الاحاطة بعلمه فتواضعوا تواضعاً علمياً نبيلاً ليس فيه سمةُ الادعاء ، ولا طابع التطاول على المجهول كما يتطاول مُدّعو العلم ، ومدّعو التفكير العلمي ، ممن يُنكرون حقائق الديانات وحقائق المجهول (١).
ثم يقول في موضع آخر من تفسيره ناقداً لموقف الاستاذ عبده من قصة الفيل الّتي هي احدى الخوارق حيث حفظ اللّه تعالى بيته المعظم على نحو خارق للعادة :
ويرى الذين يميلون إلى تضييق نطاق الخوارق والغيبيات ، وإلى رؤية السنن الكونية المألوفة تعملُ عملها ، أن تفسير الحادث بوقوع وباء الجدري والحصبة اقرب واولى ، وان الطير تكون هي : الذباب والبعوض تحمل الميكروبات فالطير هو كل ما يطير.
ثم ينقلُ كلام الاستاذ « عبده » الّذي ذكرناه بنصه مع قوله : هذا ما يصحّ الاعتماد عليه في تفسير السورة ، وما عدا ذلك فهو ممّا لا يصحّ قبوله إلاّ بتأويل ان صحت روايته ، وممّا تعظم به القدرة ان يُؤخذَ من استعز بالفيل ـ وهو اضخم حيوان من ذوات الاربع جسماً ـ ويُهْلكَ بحيوان صغير لا يظهر للنظر ولا يدرك بالبصر حيث ساقه القدرُ لا ريب عند العاقل أن هذا اكبر واعجب وأبهر.
__________________
وفي الأجزاء الاُولى من هذا الضلال قد انسقتُ إلى شيء من هذا وارجو أن أتداركه في الطبعة التالية إذا وفق اللّه ».
١ ـ في ظلال القرآن : ج ٢٩ ، ص ١٥١ ـ ١٥٣.