الكمال فكان قادراً كأقوى خطيب على بيان تعاليم دينه للناس في غاية الفصاحة والبلاغة. ولكنه كان يفتقر في الأيام الاُولى من دعوته إلى عنصر ( القوة الثانية ) ، أي ( القوة الدفاعية ) ، الرادعة الحامية ، لأنه استطاع في السنوات الثلاث الاُولى من رسالته أن يضم إلى دعوته قرابة أربعين شخصاً ، وذلك في الظروف السرّية الشديدة ، ولا ريب ان تلك القلة القليلة من الاتباع لم تكن قادرة على أن تتولّى مسؤولية الدفاع عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وحماية رسالته.
من هنا عَمَد رسولُ اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم وبهدف تحصيل القوّة الدفاعية المطلوبة وتشكيل النواة المركزية إلى دعوة أقربائه إلى دينه قبل التوجّه بالدعوة إلى عامة الناس ، ليتمكَّن من هذا الطريق ، أن يزيل النقصَ من جهة عدم وجود القوة الثانية ، ويكوّن منهم سياجاً قوياً يحفظه ، ويحفظ رسالته من الأخطار المحتملة.
على أن فائدة هذه الدعوة كانت على الأقل دفع أبناء عشيرته إلى الدفاع عنه بدافع القربى والرحم على فرض انهم لم يؤمنوا برسالته ، ولم يقبلوا دعوته.
هذا مضافاً إلى انه صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعتقد ان أي إصلاح وتغيير لابد أن يبدأ من إصلاح الداخل وتغييره ، فما لم يستطع الإنسان من إصلاح أبنائه واقربائه وردعهم عن قبائح الأفعال لا يمكن لدعوته أبداً أن تؤثر في الأجانب والأبعدين ، لأنَّ المناوئين سيعترضون عليه لدعوته في هذه الحالة ، ويشيرون إلى أفعال أبنائه وعشيرته.
من هنا أمره اللّه تعالى بأن يدعو عشيرته الأقربين إذ خاطبه قائلا : « وَأَنْذِرْ عَشِيرتَكَ الأَقْرَبين » (١).
كما أنه خاطبه بصدد دعوة الناس عامّة بقوله : « فَاصْدَعْ بِما تُؤْمرُ وَأعْرضْ عَن المُشْركين. إنّا كَفيْناكَ المُسْتَهْزئينَ » (٢).
__________________
١ ـ الشعراء : ٢١٤.
٢ ـ الحجر : ٩٤ و ٩٥.