وعند المساء تكلَم « عمرو بن العاص » ـ وكان إمرء خدّاعاً ما كرا ـ مع رفيقه « عبد اللّه بن ربيعة » في الامر ، وقال له : واللّه لآتيَنّ غداً عنهم بما استأصل به خضراءهم ( وهو يعني أنه سيأتي بحيلة تقضي على جذور المهاجرين بالمرة ) ولاُخبرنَّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد. ( أي على خلاف ما يعتقد النصارى في المسيح ).
فنهاه « عبد اللّه » عن ذلك وقال : لا تفعل ، فانّ لهم أرحاماً ، وان كانوا خالفونا ، ولم ينفع نهي عبد اللّه له.
ولمّا كان من الغد دخلا على النجاشي مرة اُخرى فقال له « عمرو » متظاهراً هذه المرة بالدفاع عن عقيدة النصارى وهي دين الملك واهله ، ومنتقداً رأي المسلمين.
أيها الملك ، إنهم يقولون في « عيسى بن مريم » قولا عظيماً. فارسل إليهم فسلهم عما يقولون فيه.
فارسل النجاشيُ اليهم ليسألهم عنه ، وهو الملك المحنَّك الّذي لا يأخذ الأمور على ظواهرها ، ومن غير تحقيق ودراسة ، فأدرك المسلمون بفطنتهم أنه سيسألهم هذه المرة عن موقفهم من المسيح عليهالسلام فاتفقوا أن يكون « جعفر » متكلمهم وخطيبهم وعندما سألوه عما سيجيب به الملك قال : أقول واللّه ما قال اللّه ، وماجاءنا به نبيُنا.
فلما دخلوا على النجاشيّ قال لجعفر بن ابي طالب : ماذا تقولون في عيسى بن مريم؟
فقال جعفر : نقول فيه الّذي جاءنا به نبينا صلىاللهعليهوآلهوسلم : هو عبد اللّه ورسوله وروحه وكلمته القاها إلى مريم العذراء البتول.
فسرّ النجاشي لكلام جعفر ورضي به وقال : هذا واللّه هو الحق ، واللّه ما عدا عيسى بن مريم ما قلتَ.
ولكنَّ حاشيته لم تَرضَ بهذا الكلام ولم تقبل بما قاله الملكُ ، ولكنّه لم يعبأ بهم ، وأيّد مقالة المسلمين ، ومنحهم الحرية الكاملة ، والأمان الكامل قائلاً لهم :