كلاّ منهما مجتهداً ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ وإن هو إلاّ وحي يوحى علّمه شديد القوى ، فأين هو عن الاجتهاد بردّ الفرع إلى الأصل ، واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟ وإنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النصِّ المبين ، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله.
ثمّ أيّ مستوى يقلّ سيّد أولي الألباب وهذا الرجل في عرض واحد فهماً وإدراكاً حتى يقابل بين رأييهما؟ وأيّ قيمة لآراء العالمين جميعاً إذا خالفت ما جاء به المشرّع الأقدس؟ لكنّي أعذر القوشجي لالتزامه بدحض كلّ ما جاء به نصير الدين الطوسي لئلاّ يُعزى إليه العجز والتواني في الحجاج ، فلا بدّ أن يأتي بكلِّ ما دبَّ ودرج سواء كان حجّة له أو وبالاً عليه.
وقال ابن القيّم في زاد المعاد (١) (١ / ٤٤٤) : فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه (٢) عن جابر بن عبد الله؟ قال : كنّا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيّام على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث. وفيما ثبت عن عمر أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحجّ ، قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : إنّ عمر هو الذي حرّمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم باتّباع ما سنّه الخلفاء الراشدون (٣) ، ولم ترَ هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح (٤) ؛ فإنّه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جدّه ، وقد تكلّم فيه ابن معين ولم ير
__________________
(١) زاد المعاد : ٢ / ١٨٤.
(٢) صحيح مسلم : ٣ / ١٩٤ ح ١٦ كتاب النكاح.
(٣) يأتي الكلام حول هذا الحديث وهذه السنّة في هذا الجزء [٤٦٥]. (المؤلف)
(٤) تحريم المتعة عام الفتح قول ابن عيينة وطائفة كما في زاد المعاد : ١ / ٤٤٢ [٢ / ١٨٣]. (المؤلف)