٤ ـ كتب عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص وكان عامله على مصر : من عبد الله عمر بن الخطّاب إلى عمرو بن العاص : سلام عليك فإنّه بلغني أنّه فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد ، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك ، فاكتب إليَّ من أين أصل هذا المال؟ ولا تكتمه.
فكتب إليه عمرو بن العاص : إلى عبد الله أمير المؤمنين ، سلام عليك ، فإنّي أحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو ، أمّا بعد : فإنّه أتاني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي وأنّه يعرفني قبل ذلك لا مال لي ، وإنّي أُعلم أمير المؤمنين أنّي في أرضٍ السعر فيه رخيص ، وأنّي أُعالج من الحرفة والزراعة ما يعالج أهله ، وفي رزق أمير المؤمنين سعة ، والله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك ، فأقصر أيّها الرجل فإنّ لنا أحساباً هي خير من العمل لك إن رجعنا إليها عشنا بها ، ولعمري إنّ عندك من تذمّ معيشته ولا تذمّ له ، فأنّى كان ذلك ولم يفتح قفلك ولم نشركك في عملك.
فكتب إليه عمر : أمّا بعد : فإنّي والله ما أنا من أساطيرك التي تسطّر ، ونسقك الكلام في غير مرجع ، لا يغني عنك أن تزكّي نفسك ، وقد بعثت إليك محمد بن سلمة (١) فشاطره مالك ، فإنّكم أيّها الرهط الأُمراء جلستم على عيون المال ، لم يزعكم عذر تجمعون لأبنائكم ، وتمهّدون لأنفسكم ، أما إنّكم تجمعون العار ، وتورثون النار ، والسلام.
فلمّا قدم عليه محمد بن سلمة صنع له عمرو طعاماً كثيراً فأبى محمد بن سلمة أن يأكل منه شيئاً ، فقال له عمرو : أتحرّمون طعامنا؟ فقال : لو قدّمت إليّ طعام الضيف أكلته ولكنك قدّمت إليَّ طعاماً هو تقدمة شرٍّ ، والله لا أشرب عندك ماء ، فاكتب لي كلّ شيء هو لك ولا تكفه ، فشاطره ماله بأجمعه حتى بقيت نعلاه فأخذ إحداهما وترك الأُخرى ، فغضب عمرو بن العاص فقال : يا محمد بن سلمة قبّح الله زماناً عمرو بن العاصي لعمر بن الخطّاب فيه عامل ، والله إنّي لأعرف الخطّاب يحمل
__________________
(١) هو محمد بن مسلمة ، وسلمة اسم جدّه ، كما في الاستيعاب وسير أعلام النبلاء.