بين رومانيا وبلغاريا ويتقي عداه بأخرى في جهات الأناضول. وطوقت عنقه الدولة العثمانية بسلسلتي البوسفور والدردانيل. وقبضت على يمناه دولة الأنكليز بمصر فشاركت في مجاذبة اليد الأخرى دول بحر الأدرياتيك. وكان القلب وهو جزيرة كريت دائما في خفقان وهو مركز الدورة الدموية البحرية فكانت دقاته وحرارته سببا في انتشار عقد الجزر من أطرافه ووسطه. واغتاظت دولة إيطاليا من نصيبها منه وهو جزيرة صقلية التي هي بمثابة الطحال من هذا المخلوق فرفصت البحر بنعلها البرية المرتسمة صورتها على أديم مثال الأرض لكل متأمل من أشكال الممالك وألوان صبغتها في خرايط علم الجغرافيا. حتى تعكر من تلك الصدمة أخيرا ماء خليج برقة وطمى الماء على طرابلس الغرب.
واختطف الأنكليز ـ سابقا سنة ١٨٠٠ الكبد وهو جزيرة مالطة بالجانب الأيمن من صقلية. وتمحضت السلطة على نصف جسد هذا البحر «الشق الأسفل» لدولة فرانسا ما بين خليج ليون وخليج قابس واتحدت هاته الأخيرة مع أنكلتيرا. وواصلت دولة إسبانيا على متنه ما بين سبتة والريف بين جزيرة طريف بخط مقاطع للخط الموصل من جبل طارق إلى طنجة. ويتكون من هذين الخطين الوهميين شكل علامة الضرب في علم الحساب X. وسطح البحر والبر مرسح في الحياة الدنيا وميدان تضار وتغالب. وقد قام هذان الخطان المتقاطعان لأمر المرور بذلك الزقاق مقام القنطرة التي ذكروا أنها كانت للأول على ذلك البحر تسهل الوصول ما بين العدوتين. ولكن البحر ركبها وابتلعتها لججه لما أنه لا يجب الظهور عليه. ولو لا اتحاد هاته الدول على إخافة هذا المخلوق العظيم بالجواري المنشآت ورشقه بسهام الغطاسات والتحليق فوقه بالطيارات لسد الطرق في وجه المسافرين ، وطغى على السكان المجاورين. واختطف أبناءهم وأفسد مزارعهم وأوقف تجارتهم. وبما لدولة فرانسا من الأرجحية والاعتبار بالبحر الأبيض أمكن للتونسيين السير بأمان بين خليجي قابس وليون في مخاوف لجج بحر الروم لمشاهدة أحوال أروبا وحضارتها. فالتونسيون بفضل أسطول دولة الحياة في أمن من عائلة البحر متى أبحروا ، وهجمات الأمم المجاورة متى أصحروا. وسيأتي ذكر تصفيقهم وهداياهم لسفينة قرطاج في العام الفارط عند ما فازت في البحر.
واليوم البحر المتوسط كما ترى قد استكان للغلب وانكسرت حدته ، وسالمت