رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أنا أركب أرماثا لنا في البحر ولا ماء معنا أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال : هو الطهور ماؤه الحل ميتته. ثم قلدت الأمم بعضها فصنع الفلك أولا بسيطا يد حرج فوق الماء بأعواد من كلا جانبيه يتناوب معاناة ذلك الراكبون على شبه ما هو مشاهد الآن في صغار الفلك.
ثم جعلت له من المنسوجات قطع كأجنحة الطير تدفعها الرياح فأراحت الطبيعة بهذا الاختراع أيدي البشر والاختراعات كما هو مشاهد تتعب العقول وتريح الأجساد ، فكان السير للجهات المقصودة على حسب الرياح المتجهة لها. ثم توفق الناس إلى أساليب يسيرون بها ذوات القلاع حتى إلى الجهات الآتية منها الرياح ، بتصرفات يسلكون بها البحر إلى الجهات الأربع أو الثمانية على رأي أهل البحر الذين يسمونها بأسماء خاصة ، وربما سموا رياحا أخرى ما بين الثمانية ، وإليك دائرة في أسمائها ومواقعها.
ومن نعم الله المتوالية على عباده وجود أسرار في الكائنات هدى إليها بمنه تعالى من أراد سعادتهم ، ومن بينها جاذبية المغناطيس الذي صنعوا منه إبرة تتجه نحو القطب ، وهو النجم الثابت في الشمال يقابله قطب آخر ثابت في الجنوب. والنجوم الثوابت نعمة عظمى أيضا (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) على فنون الهندسة والهيئة والجغرافيا والسير في البحر. يتخذ ركاب البحر تلك الإبرة القطبية دليلا في مذاهبهم ليلا ونهارا وكانت معروفة عند الصينيين من قديم ، وعرفها المسلمون في القرون الأولى. قال المقريزي : وما برح المسافرون في بحر الهند إذا أظلم عليهم الليل ولم يروا ما يهديهم من الكواكب إلى معرفة الجهات يحملون حديدة مجوفة على شكل سمكة ويبالغون في ترقيقها جهد المقدرة ثم يعمل في فم السمكة شيء من مغناطيس جيدا ويحك فيها بالمغناطيس (كذا) فإن السمكة إذا وضعت في الماء دارت واستقبلت القطب الجنوبي بفمها واستدبرت القطب الشمالي ، وهذا أيضا من أسرار الخليقة. فإذا تحددت الجهات الأربع عرفوا مواقع البلاد بها فيقصدون حينئذ جهة الناحية التي يريدونها. وبها اكتشف كريستوف كولومب أمريكا عام ١٤٩٢ ، ولم يعرف صنعها في أروبا إلّا في القرن الثالث عشر مسيحي. وكانت حمولة السفينة على عهد لويس التاسع في القرن ١٣ مائة من الخيل وثمانية من الرجال ، ولكنها