الغاب فتقطعه الآلات السريعة ثم ينشر ثم يخمر بالماء ثم يعجن ثم يمر على حياض يتسرب منها إلى أعمدة حديدية أفقية متحركة تأخذ من ذلك العجين باستدارتها جلدا ثخينا ، وفي أعمدة أخرى بعدها يرقق بالضغط على حسب إرادة الصانع ، وعند الكفاية يمر على أعمدة محماة تجففه وآلات بعدها تقطعه على الطول والعرض الذي يحدد أسفل الآلة القاطعة. فما يصل الكاغد إلى آخر بيت المعمل الذي دخل له وهو حطب إلّا وقد هيىء للإرسال إلى سائر الأقطار. فهذا العمل هو (الكيمياء التي قالوا ولم تصب) يوضع بإحدى جهتي المعمل الحطب ويقبض بعد تحليله وتركيبه من الجهة الثانية الذهب. وفي صدر الإسلام وعظمة الخلافة العباسية راج اختراعه وإبداعه ، وأوجبته الحاجة التي هي أم الاختراع لنسخ الكتب ورسائل الدواوين. قال ابن خلدون وكانت السجلات أولا لانتساخ العلوم وكتب الرسائل السلطانية والإقطاعات والصكوك في الرقوق المهيأة بالصناعة من الجلد ، ثم طمى بحر التأليف والتدوين وضاق الرق عن ذلك فأشار الفضل بن يحيى بصناعة الكاغد. فصنع واتخذه الناس من بعده صحفا لمكتوباتهم السلطانية وبلغت الإجادة في صناعته ما شاءت.
وهناك معامل السيمان ، وفي سفح الجبل مقاطع الحجارة تجر إلى السهل بالآلات ، فما أكثر الخيرات والموارد في تلك الجهة من حجارة وماء وغاب ، وما أعرف تلك الأمة بطرق الانتفاع بها وصرف هممهم لتعاطي الأسباب.
وصلنا إلى قرية فيزيل التي يقدرون سكانها بنحو خمسة آلاف وبها قصر الكونيطابل ـ أي القايد الأكبر. وهو عظيم متسع ، وبه وقع اجتماع رؤساء تلك الجهات لمقدمة الثورة العظمى بفرانسا ١٧٨٨ وطلب الحرية وإسقاط الحكم المطلق. فله ذكر تاريخي عظيم ولذلك تسابقت إليه أيدي الأغنياء ومن بينهم أحد رؤساء الجمهورية الثالثة ثم خرج إلى ملكية أحد أغنياء إيطاليا ـ والدخول إليه برخصة خاصة ، وقفنا على بابه وتأملنا في صورة صاحب القصر على فرس جواد. ونبحتنا هناك كلاب القصر من خارج الباب على خلاف طباع أهالي تلك الجهة. ولكن الكلب كلب وهو مشهور بنكران الضيف وبالأخص المخالف لأربابه في اللباس ولعله لم يشم منا أيضا رائحة من عرفهم في ذلك القصر من أبطال الحرية. «أرياج ليبا» :