عرجنا عنها شرقا بعد فيزيل وهي تبعد عن كرونوبل بنحو أميال ١١ ـ وكانت حماماتها معروفة عند الرومان ومنتفعا بها مثل حمامات قبرص ، ويوجد بها بعض الآثار من القرون الخالية العامرة بمعارف الانتفاع من الدنيا في أدوار السذاجة البشرية والإلهامات إلى التجارب الطبية. ولا زالت تلك الآثار محفوظة في قصر هناك على ما ذكروا. تتصل بهاته الحمة سكة الطرمفاي الكهربائي وبها لوازم الإقامة من الأتيلات ومحلات التمثيل والمطاعم والحفظ بالبوليس ووسايل المواصلة والمخابرة.
جاءت في وهاد بين سلاسل الرّبى المغشاة بالأشجار ، فكانت أدواحا للأطيار ، وظلالا وشفاء لبني الإنسان. وزادتها حسنا الطرقات المنظمة التي يتفيؤ السافرون ظلالها في مراتع الأنس وحسن المناظر وطيب الهواء والأمن والانتفاع بالحمامات المعدنية. دخلنا إلى بناء العين الحمة فوجدن به امرأة تسقي الوافدين أعطاها صاحبنا بعض المسكوكات ، وسألت عني لغرابة اللباس وقالت لعلك تونسي فاستفسرتها عن اهتدائها لذلك فبينت لي أن أختها متزوجة بمسلم تونسي مستخدم بالسفارة الفرنساوية بتونس ، وأثنت على التونسيين وجميل معاملتهم للأوروباويين وحسن معاشرتهم لزوجاتهم ، فزادني سرورا ذكرها لوطني وأبنائه بعبارات الثناء في تراب الحرية ، والاصداع بما في الضمير. وازداد عجبا سامعوها من بعض عائلات كرونوبل الذين كانوا معي لأن الكثير من أهالي أروبا لا يعلمون معنى الحياة الاجتماعية للتونسي إلّا في صورة مشوهة ، ولربما تخيله بعضهم كسكان أواسط الصحراء الكبرى على شكل السودان وعوائدهم وانحطاط إدراكهم. لذلك يظهر أن من أهم ما يرفع به اللبس ويماط به الغطاء سفر التونسيين إلى فرنسا. حدث الأستاذ الشيخ سيدي سالم بوحاجب في أنباء رحلته إلى إيطاليا التي أقام بها ما يزيد عن خمسة أعوام وحفظ لغة القوم ، وذلك منذ نيف وأربعين سنة ، أنه لما سئل عن سبب المنع من تزوج المسيحي بالمسلمة وإباحة تزوج المسلم بالكتابية ، أجاب بأن المسلمين يعتقدون نبوة عيسى عليه السلام ويحترمونه فلا تلحق الكتابية إهانة في دينها من زوجها ، بخلاف المسيحيين فلا يرون نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا مانع من التحام المرأة بزوجها في سبيل المعاشرة ، ومن أقوى أسباب الشقاق.
ومياه أرياج نوعان منها الملح المسهل والعذب للشرب ، وفي بعض العيون الحديد