الكلام على مستشفى باستور بباريز. تجاوزنا دير الرهبان إلى قرية صان بياير وبها أتيلات من بينها أتيل ديزاير الذي نزلنا في ساحته. وأسعارها كالحواضر مع أنها في الجبال ، وذلك من تسهيلات الإقامة في تلك الارتفاعات الخالية من الأكدار العامرة بالاطمئنان وراحة الجنان والوافدون الراغبون في حسن الهواء والمعيشة المنفردة والرياضة على الأقدام ، وخلو البال كثيرون هناك حيث توجد الأطباء وكل المرافق ، وسيأتي مزيد الكلام على البداوة في باريز. في أثناء جلوسنا أتاني طالب معروف فنفحته بما تيسر وتلك أول مرة وآخرها رأيت بها مستجديا. ولما رآه رفيقي الكرونوبلي نهره وأبعده عن تلك الساحة فأخذت عليه في خاطري لما أعلم عن هذا الجنس من أنه خير الناس بمسكين ويتيم ، وقلت لعلهم لا يريدون أن يروا ما يقلق الضيوف ، أو لأمر أخص من ذلك بأن لا يروا أبناء جنسهم يتكففون ، حتى علمت فيما بعد ببلدانهم قطع أيدي الطلاب بإيواء العجز إلى التكايا وحرمان الصحيح من العطايا ليلتجئ إلى العمل ، إذ حالة الطلب من كلا هاذين محزنة جدا شفقة على الأول ، ومن السير على خلاف الطبيعة في الثاني ، ومن اللايق عدم ترك الأول والثاني يلحفان في الطلب ، ويبديان الصخب والشغب ، فيستلفتان الأنظار ويمنعان سير المار ، والغريب بلا شك يرشق الأمة التي تكثر طلابها بسهام التأنيب والاحتقار. مدح المؤرخون أحد خلفاء بغداد فقالوا : أنفق الواثق في أيامه الأموال في وجوه البر ببغداد في النصف الأول من القرن ٣ فحسنت أحوال التجار وبنوا أسواقهم بالجص والآجر وجعلوا أبواب حوانيتهم من حديد ، ومنع السؤال وصار يجرى على المعوزين النفقة والكسوة. وقالوا عن أخبار بعض ملوك الهند في القرون الأولى بعد الهجرة : ولا يدع السلطان بدهلي سائلا يستعطي الناس بل كل من استعطى منع من هذا وأجرى عليه ما يجري على أمثاله من الفقراء.
قبيل الغروب كان انحدارنا من أعلى جبال شارطروز وكانت الشمس أمامنا سائرة نحو التنزه بين جبال كرونوبل الشاهقة وقد لبست ثوبا معصفرا وجللت نهر ليزاير بالنضار ونحن ننظر إليه وقد عانق المدينة الجميلة وطوقها :
نهر يهيم بحسنه من لم يهم |
|
ويجيد فيه الشعر من لم يشعر |