البحيرة على شكل هلال طرفاه للجنوب وهما مصب النهر ومصدره ومحد بها للشمال ولذلك قلت في شكلها : كأنه ظهر عجوز أو ثمرة تموز. ارتفاعها ٣٧٥ ميترو وطول شاطيها الشمالي ٩٥ ميلا والجنوبي ٧٠ وعرضها في الأكثر أميال ١٢ وعمقها نحو ٣٠٠ ميترو ، ولا زال عمقها في نقص مما تجلبه المياه من الأتربة والحصباء فيرسب فيها. ويخرج الماء إلى فرانسا مع الرون صافيا وهي مزية كبرى لها في هذا التقطير ومن جهة انصباب الوادي فيها يخشى عليها من الانسدام. وهذا مما يؤسف له فيتعفن ماؤها ولا يبقى له رونق ولا عذوبة.
أخذت مدينة جنيف التي بها نحو ١٥٠ ألفا من السكان حظا وافرا من جمال الموقع من بين سائر العواصم ، فطرف البحيرة والنهر يقسمانها نصفين شماليا وجنوبيا مدت عليهما قناطر سبعة. وأحدقت بها الجبال متدرجة في الارتفاع ، فالقريبة منها ترى دهماء بالأشجار والتي من ورائها تظهر شاهقة بيضاء بالثلوج ، يتجلى لك ذلك المنظر البديع من القنطرة الشرقية والشارع العظيم الذي جاء شمالها وكلاهما ينسب إلى (مون بلان) الجبل الأبيض. فكأنما تلك الجبال التي ابيضت مفارقها قامت من وراء سلاسل الجبال الصغرى الفاحمة الرؤوس. لتطل على جمال المدينة والبحيرة مثل الشيوخ وراء التلامذة في حلقات الدروس. ولما رأيت الغمام لا ينقطع من الجو هناك ولكنه متقطع تفيض عليه الشمس بكهرباء أشعتها فتصبغ طبقاته ألوانا شهية قرأت على الغمام قول الشاعر :
كأذيال خود أقبلت في غلائل |
|
مصبغة والبعض أقصر من بعض |
وقرأت على الجبال وحال مدينة جنيف وبحيرتها وغيم بخارها :
شابت مفارقها فشبن لشيبها |
|
طربا وعهدي بالمشيب تمسك |
فاليوم يوم نزاهة ولذاذة |
|
سيطل فيه دم «الهموم» ويسفك |
والغيم من أرج الهواء كأنه |
|
ثوب يعصفر مرة ويمسك |