وتلك الجبال التي طعنت في السن وشابت رؤوسها هي مطمح أنظار المسافرين.
يقصدها أبناء الأجيال الحاضرة ليروا من سمات قدمها وملامح هرمها ويسمعوا من حديثها عمن شاهدته ممن قبلهم. ومن عرف الأيام قص غريبها. وذلك أكبر موعظة وأبلغ اعتبارا ، فهي كما تحدث عمن وفد عليها تحدث عنه بعد حين إلى أن تصير المدن خرابا ، والرياض يبابا ، والجبال سرابا ، والخالق وحده هو الذي أحصى الكائنات كتابا. نزلت في أتيل السويس في الطرف الشمالي من نهج مون بلان وبالقرب من محطة سكة الحديد الشمالية المسماة كونفا ، وبهذا النهج العظيم إدارة البوسطة من أكبر مباني البوسطات التي رأيتها في بلدان هاته الرحلة ، ولها تقسيم محكم وسرعة غريبة في إجابة الحاجات على اختلافها. وساعتها مقدمة على ساعة باريز بنحو ساعة. وبهذا الشارع المخازن الكبرى مفعمة بأنواع البضائع والتحف والمصنوعات الخشبية التي ليد الأهالي فيها حذق كالمصوغ والفخار المطلي ، وغربي ملتقاه مع القنطرة مكتب يعطي الإرشادات لزوما ومجانا للغرباء ، وما بين هاته القنطرة وقنطرة بارك الغربية عنها جزيرة جان جاك روسو العالم الشهير. وفي النهر وبين القناطر طيور بيضاء سابحة في ذلك الماء الفيروزجي لا تصاد بل يمد إليها الطعام من أيدي السكان والمعجبين بحسن لونها تراها عائمة على ماء البحيرة فآونة تبدو وآونة تخفى كنجوم على أديم السماء :
نزه الطرف يا أخا الظرف ليلا |
|
في طيور أحسن بها من طيور |
فوق وجه المياه ترعى وتسعى |
|
كنقوش قد خيلت في ستور |
وقد صبغت شركة البابورات البحرية سفن البحيرة بيضاء. فكان ذلك لمشاكلة هاته الطيور. والعدوة الشمالية من النهر بها البناءات العظيمة ومخازن الجارة ، وفي الجهة الجنوبية البطايح والقهوات والبساتين ومناخ السمر والتجول مساء وليلا ومن بينها قهوة الشمال التي أرشدني إليها بعض الأحباء بتونس ، وكان عرفها من قبل ، وهي بقرب بطحاء البحيرة وبطحاء الرون بالعدوة الجنوبية من النهر. يأوي إليها