والسير مع مصالح الحياة والمسك بذيل الأمم الراقية. وربما كانوا واسطة نافعة في العلوم فقد ترجموا الكتب على عهد المامون بالدولة العباسية من اليونانية وسمت بهم قريحتهم في العربية بالأندلس فبرعوا في الكتابة والأدب ، وإلى الآن موشح ابن سهل ، لمعارضة الشعراء غير سهل. ووصل بواسطتهم علم الطب لأروبا نقلا عن العرب الذين وسعوا لهم في مجالس العلم واستعملوهم في دواوين الحساب. وهم الآن في دور الحماية قد تقدموا شوطا فسيحا في اللغات والتجارة والكتابة.
الجانب الجنوبي من المدينة مزاحم للشرق الشمالي من النهر في الرقي حتى تحسب كل قسم من العدوتين مدينة مستقلة. وبداخل القسم الجنوبي بستان الباستيون وغربية بطحاء تكتنفها ثلاثة بناءات عظمى علمية ، فمن جهة الشمال دار التاريخ الطبيعي وبه أنواع الحجارة العتيقة والحيوان والطير من البر والبحر ، ترى الواحد منها مصبرا تحسبه حيا صابرا ولكنه بلا روح وأغرب ما يراه التونسي بأروبا في ديار التاريخ الطبيعي ، أي الحيوان المبلصم وبساتين الحيوانات الغريبة ، حيوان الزرافة الغريب الشكل العظيم الهيكل المختلف الشبه بالحيوانات كما قال ابن خلدون.
والذي قال في وصفه ابن رشيق القيرواني وقد أهدي في عهده إلى المعز بن باديس :
جمعت محاسن ما حكوا فتناسبت |
|
في خلقها وتنافت الأعضاء |
حطت مؤخرها وأشرف صدرها |
|
حتى كان وقوفها إقعاء |
نعم التجافيف الذي ادرعت به |
|
من جلدها لو كان فيه وقاء |
وفي الصدر غربا محلات التعليم ، وفي الجنوب قسم المكتبة العمومية وبها مجلدات نحو ٢٠٠٠٠٠ منها خطية نحو ٣٠٠٠. أفادني بذلك المكلف بها وأطلعني على عدة كتب عربية بالخط الكوفي والمشرقي والمغربي. ورأيت صورة في كتاب فارسي بها هيئة مدلس مرتفع به أربعة أشخاص ينظرون إلى أربعة يرشقون بالسهام رجلا مصلوبا تظهر منها ثلاثة في صدره ويداه مغلولتان إلى خلف ورجلاه مربوطتان