مجتمع الأودية وهو من الذوق الحسن للمؤسس ومن ملائمات الخصب والعمران ، والأمن من عطش المزارع والسكان. سار بنا القطار إلى الشمال ونهر الصون على يمناه ، سلمت تلغرافا إلى ناظر محطة ماكون ونقدت له معلومه وعنوان نزلي في باريز ليخابر به ناظر المحطة في ليون للبحث بعربات القطار الوارد من كرونوبل عن أوراق وبعض أمثلة تركتها به عند ما نزلت في محطة ليون لانتظار القطار الوارد من مرسيليا. والتلغراف عمومي في جميع المحطات ، وهو من محاسن نظامها. وجميع العربات تنفذ إلى بعضها ، فالذهاب إلى بيت الأكل ولو للراحة بها وتناول القهوة أو الماء المثلج سهل على المسافرين ، وبهذا البيت مراوح تهون الحر على المسافر ، وقد ابتدأت الحرارة في شهر سفرنا. والمطبخة السائرة معه من المرافق المفيدة للمسافرين وبالأخص في المسافات الشاسعة والأسفار الطويلة ، ومع الأقسام المخصصة للنوم أيضا في بعض القطارات يكون المسافر كالمقيم بين الرفقاء متمتعا بأحسن غطاء ووطاء وغذاء ، بل المسافر أحسن من المقيم تأتي البساتين والأنهار والجبال والأطيار بين يديه ، يمر به الغور والنجد وهو في وقاية من الحر والبرد. يجيل طرفه على قطعان البقر والغنم في المروج النضرة ويشاهد المدن والقرى تمر به كأنه مقيم وهي سائرة ، وهذا مما لا يحصل للمقيم. فما أسعد أبناء هاته العصور الذين أمدهم الله باستخدام نور العقل فكشفوا بأشعة كهربائيته ما في الكون من الخبايا ، وما في المخلوقات من الأسرار والمزايا. وانتفعوا بما أنعم الله به على النوع البشري مما في الأرض جميعا. وبذلك أصبح السفر راحة بعد أن كان عناء. ولذة بعد أن كان مشقة ، ومونسا بعد أن كان موحشا وأمنا بعد أن كان خوفا.
سهلت السكك الحديدية التعارف بين الأمم وأعانت على الرقي ، ولها الفضل على التجارة والزراعة التي كانت تباع على أربابها بأبخس الأثمان بين سكان بعض الجهات ويتمناها بأغلى الأسعار قوم آخرون. وفي غالب الأحيان يحرمون من الانتفاع بها مثلما تحرم أربابها من أثمانها.
البخار ـ تقدم لنا الكلام على اكتشافه وتسيير السفن به في البحر في فصل أطوار الفلك والسير على الماء. أما الذي سير أول رتل بخاري في أنكلتيرا فهو جان استيفانصون الأنكليزي في معرض عام ١٨٢٩ وكانت سرعة سيره ستة عشر ميلا.