حتى أن بعض كلماته حجة عليهم في أشياء يصنعونها كل يوم.
ولم أتواصل لفهم ما عناه ابن خلدون وما هي القواعد التي يمكن أن تقوم مقام الإعراب في اللغة العامية حيث يقول : ولعلنا لو اعتنينا بهذا اللسان العربي لهذا العهد واستقرينا أحكامه نعتاض عن الحركات الإعرابية في دلالتها بأمور أخرى موجودة فيه فتكون لها قوانين تخصها ، ولعلها تكون في أواخره على غير المنهاج الأول في لغة مضر ، فليست اللغات وملكاتها مجانا. ولقد كان اللسان المضري مع اللسان الحميري بهذه المثابة ولغة حمير لغة أخرى مغايرة للغة مضر في الكثير من أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها كما هي لغة العرب لعهدنا مع لغة مضر ، إلا أن العناية بلسان مضر من أجل الشريعة كما قلناه حمل ذلك على الاستنباط والاستقراء وليس عندنا لهذا العهد ما يحملنا على مثل ذلك ويدعونا إليه. والحق مع ابن خلدون في شأن المتعلمين للغات ثانية بعد لغاتهم الأولى حيث قال : وانظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكون قاصرا في اللسان العربي أبدا ، فالأعجمي الذي سبقت له اللغة الفارسية لا يستولي على ملكه اللسان العربي ولا يزال قاصرا فيه ولو تعلمه وعلمه ، وكذا البربري والرومي والإفرنجي قل أن تجد أحدا منهم محكما لملكة اللسان العربي وما ذلك إلّا لما سبق إلى ألسنتهم من ملكة اللسان الآخر. قلت إلا أن التونسيين متى تعلموا لغة أخرى برعوا فيها وضاهوا أبناءها وقبضوا على لغتهم بيد وعلى الثانية بيد أخرى.
سمعت بعض الفرنساويين يعترف لهم بذلك ولا يفرق بين كتابات بعض التونسيين والفرنساويين أنفسهم لشدة التساوي والالتباس. وأما النطق فلا يميز بينهما فيه إلا اللباس «إن كان». ولا يقدح في هذا ما قاله ابن خلدون في سكان إفريقية والمغرب من أنه كان لهم القصور التام في تحصيل ملكة اللغة بالتعليم حيث كانوا أعرق في العجمة ، لأنه يظهر أن التعليم إذ ذاك غير عام ولا مهذب البرنامج ولا هو بكاف لمتعاطيه وإلا فغزارة مادة علماء اللغة وبلاغة الكتاب ودواوين الشعراء الذين نبغوا في إفريقيا والقيروان ملأت شمال إفريقيا وفاضت على الأندلس وبلغ صداها المشارق. ولا يصح الاحتجاج في نظر المنصف برسالة من بعض السواد ، وممن لم يستصحبوا من أساليب الإنشاء غير الدواة والمداد. نقلها ابن خلدون عن ابن الرقيق