صغرى متصلة بساعات حساب السير ، يدار رمحها إلى أسفل عند الركوب أو المقاولة على الكراء ، علامة على أن العربة غير معدة للكراء ، ومتى كانت الراية المثلثة قايمة الرمح فالعربات يمكن الركوب فيها بالكراء المعين ولو بصفة الجبر للسايق ـ رأيت قبل مبارحة باريز وفي اليوم الأخير بها وهو يوم السبت ٢٨ من جوان جميع الطرقات خالية من نمل العربات ، فكان منظر المدينة هاديا والماشي على قدميه يسلك الشوارع آمنا مطمئنا. ويقول الذين اعتادوا بدبيب النمل أن منظر باريز صار موحشا لما امتنع أرباب العربات الخيلية والكهربائية من العمل. وما اعتاده البشر يشق عليه مفارقته ولو كان سيئا. في صبيحة اعتصاب أرباب العربات بباريز بحثت عن عربة فلم أجد واحدة للكراء ، ومرت بعض عربات خصوصية ليست عليها علامات الاستعداد للكراء فسألت البوليس فأعلمني بالاعتصاب ، فتمنيت دوامه لإراح الماشين من ذلك الجراد المنتشر. وما جاء المساء حتى رجعت عن رأيي حيث كانت لي عدة حاجات في أطراف المدينة لم أتمكن لفقد العربات من قضاء جميعها في ذلك اليوم الأخير لي بباريز. وفي الليل بلغنا انحلال الاعتصاب الذي كان سببه ضغط البوليس عليهم في مصالح المدينة والركاب. تقدم ما قررناه في وسايط النقل تحت الأرض وعلى أديمها وكذلك السير تحت الماء في الكلام على البحر ـ والقسم الرابع وهو الطيران في الهواء قد بلغ إليه البشر أخيرا بعد ما فكر فيه قديما. فأبو القاسم عباس بن فرناس حكيم الأندلس احتال في تطيير جثمانه وكسى نفسه الريش ، ومد له جناحين فطار في الجو مساحة بعيدة ولكنه لم يحسن الاحتيال في وقوعه فتأذى في مؤخره.
عاينت الطيارات سابحة في جو باريز وقد مضت في عهد ظهورها عندهم في عام ١٧٨٣ إلى الآن مائة وثلاثون سنة. استفسرني عن مشاهدة الطيارات بعض الأعيان بباريز ونحن في منزل السيد كابار فأعلمته بإعجابي به ومشاهدته في جو باريز ، فقال على وجه المداعبة لعلكم تقولون متى عاينتموه أنه أو فاعله شيطان؟ فأجبته بأن اختراع الطيران قديم في الأندلس ولا نستغرب مشاهدته الآن حيث وصل لنا طرف من حضارة أروبا ومخترعاتها بواسطة دولتكم ، والطيارات سابحة عندنا الآن في جو المملكة التونسية. وكلمة شيطان متى قيلت لا يراد منها في مجاري الحديث إلّا النباهة وكمال المقدرة وإلحاق بعض بني البشر بالتشبيه البليغ بجنس عرف له التأثير