والتطور من عهد آدم وحواء. فقد قال ابن خلدون أن شديد الكيس يقال له شيطان ومتشيطن وذلك في فصل : إرهاف الحد مضر بالملك ومفسد له ، الذي قال فيه ما معناه : إذا كان الحاكم قاهرا باطشا بالعقوبات منقبا عن عورات الناس لاذوا منه بالكذب والمكر للخوف والذل وفسدت النيات ، وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم لاذوا به وأشربوا محبته ، وهذا من حسن الملكة التي تستقيم بها الأمور.
قال ويتبع في حسن الملكة النعمة عليهم والمدافعة عنهم ، وأكثر ما يوجد الرفق في الغفل والمتغفل ، أما اليقظ شديد الذكاء فلنفوذ نظره وإطلاعه على عواقب الأمور في مباديها يكلف الرعية فوق طاقتهم إلخ. وقالوا في كلمة ديوان أنها فارسية ومعناها شياطين ، فأطلقت على الكتبة للذكاء والبراعة في العمل ، ثم أطلقت على مكان اجتماعهم وخدمتهم.
٥ ـ الصنايع وأنواع البضائع في باريز : لهم الأيادي الطولى في إتقان القسم الأول وترويج الثاني ، فالتحف اللطيفة والمخترعات الغريبة سوقها باريز. تستوقف الأنظار ، وتصيد الدرهم والدينار. وقصور التجارة مثل اللوفر والبرانطا. وقد دخلتهما ، فعاينت كل حاجات البشر بهما وكأنما الأموال لا تفي بأثمان بضايعهما. وغالب أقطار الدنيا فيما بلغنا لا تستغني عن مصنوعات ومبيعات باريز. والكتب قد ضاقت بها الدكاكين فطرحوها على أرصفة نهر الساين تمتد معه مسافات بعيدة ، وتباع بأثمان زهيدة ، وذلك فيما بين نهج بونبارت وكنسية نوتردام. ولعله انقضى الزمان الذي كان الصينيون يقولون فيه على ما نقله صاحب مسالك الأبصار : إنهم ، أي الصينيون ، بصراء والإفرنج عور وباقي الناس عمي. يعني أن صنايعهم صناعة بصير بعينين ، فهو يبصر ما يعمل والإفرنج صنايعهم صناعة من له عين واحدة ، وباقي الناس صنايعهم صناعة من هو أعمى. ويؤيد دعواهم في القديم أن الحكمة أنزلت على أيدي الصينيين وعقول اليونانيين وألسنة العرب. وعلى كل حال فالنزاع في المسألة بين الصين وأروبا أما نحن فلا دخل لنا في هذا الموضوع. ومن متعلقات التجارة قصر المصرف «البورصة» ، وهو مجتمع التجار تباع فيه التذاكر المالية ، وهو قصر عظيم واجهته للغرب أمامه درج كثيرة على اتساع الواجهة ، مررت به غير مرة وهو قريب من باساج جوفروا محل نزلنا ، وجنوبا منه فأقف متعجبا من أمر واحد لم أر له نظيرا في