إلّا بعد مراجعة الأطباء وتقريرهم مدة الإقامة «وفي الغالب أحد وعشرون يوما» وما يناسب المرض من تلك العيون ، ومقدار ما يؤخذ من الماء في الأوقات اللائقة.
والأجر عن هذا كله مع المراجعة مدة الإقامة ستون فرنكا. وعين سيليستان مباحة الشرب بلا قانون ولا ثمن للأصحاء والمرضى. كان صاحب النزل الذي أقمت به «أتيل ميلان» بنهج نيم ، ودلنا عليه النجيب السيد محمد جمال الذي لاقانا بكل بشاشة ، على عادة هاته العائلة في حسن الأخلاق والمجاملة. يرسل من يأتي لنا من ماء هاته العين ما يروينا ونحن على مائدة الغداء والعشاء ، وله طعم لذيذ لا تعطيه القوارير المجلوبة ، ولا الأتربة المنسوبة. ولمياه العيون نظام غريب في النظافة وسرعة المناولة ، تدور حلق الوراد وتجتمع طلاب الشفاء حول درابزون وراءها فتيات طوافات بأكواب يملئنها من الماء المتدفق في الحياض المحيطة بالعين من جميع جهاتها ، وقد ضربت عليها قباب البلور وبالأخص عين كران كري وعين الأبيتال «المستشفى».
تكاد قرية فيشي التي جاءت في وسط أراضي الزراعة وترتفع عن البحر بأمتار ٢٦٤ أن تكون كلها مساكن للوفود الكثيرة في أشهر المصيف جوان وجويليه وأوت ، فتتلقاهم بصدر رحب وعيش خصب. وأسعار المآكل والمساكن في فيشي أرخص من جميع ما نزلت به في بلدان الرحلة. وبها للخضر واللحوم والزبد والغلال سوق أكثر نظاما وأوفر بضاعة وأرخص أسعارا مما يعهد في فندق الغلة عندنا بتونس ، فلا ينقطع عمرانه صباحا ولا مساء. وجل البضائع في هذه السوق بيد النسوة يبعنها حسب رغبة المشتري صبرة ووزنا. وبقية المبيعات من غير الضروري كمستظرف المصنوع أسعارها مرتفعة. وقد أفاض على أسواق فيشي معمل بوهيميا النمساوي بمختلف الأشكال والألوان من البلور الجميل ، وكتب على نفسه أن يخلب بها الأبصار ، ويستنزف بها الدرهم والدينار من أغنياء الأقطار. يرجعون به زينة وذكرى لمنازلهم مع ما في حمله من المخاطرة به وارتفاع ثمنه. فيشي بها البضائع المختلفة حتى الشرقية التي قام بالمشاركة بها في معرض مصنوعات الأمم السيد محمد جمال بدكان واسع جوار أتيل ميلان الذي نزلناه ، مفعما بأنواع المنسوجات والمطرزات والعطورات التونسية والزرابي القيروانية. وفيشي مثلما هي معرض للبضائع هي معرض لأجناس البشر أيضا فتسمع بها اللغات المختلفة ، وترى فيها الوجوه المتباينة زيادة على صبغة الأمراض