وقد جددت جلب هذا الماء دولة الحماية إلى القيروان من مكان يبعد غربا عن المدينة بنحو أميال ٣٠. كما جدد على عهدها الحوض الكبير المنسوب لابن الأغلب الذي تمم بناءه عام ٢٤٨ ، وهو بديع الشكل كثير الأضلاع ، بجانبه الغربي حوض آخر صغير على مثاله يتسرب إلى الصغير أولا ماء شعبة من وادي مرق الليل ثم يسلك إلى الحوض الكبير. ويوجد على مثاله شكلا وأقل حجما حوض بالطريق التي بين القيروان وسوسة وعلى بعد من المدينة الأخيرة بنحو أربعة أميال. وهو قطعا من آثار الدولة الأغلبية التي مصانعها الكبرى بمدينة سوسة مثل السور وحصنه والجامع وقصر الرباط.
وقد التفتت دولة الحماية إلى جلب المياه لبلدان المملكة مثل سوسة التي أفاضت عليها مياه وادي مرق الليل من غربي القيروان بنحو خمسين ميلا ، ومن شمال جبل طرزه ما بين مغارس العلا غربا وثنيات مركز بيشون شرقا في قناة تحت حصباء الوادي تمتلئ بالرشح من طبقات الرمل الذي ظاهره في الغالب لا يرى به ماء.
والأعمال جارية بهمة كبرى وأموال عظمى مصروفين في إيصال ماء سبيطلة عاصمة الروم العتيقة ، التي بنيت القيروان من أطلالها وابتدأت حياتها بموتها إلى مدينة صفاقس ذات الزياتين الجميلة والثروة الجليلة ، وهي في حالة تعطشها تزهو بثمارها وأزهارها على جميع بلدان المملكة التونسية لاعتناء أبنائها وبراعتهم في الأعمال الزراعية والتجارية ، وممن يفتخر بهم ابن المملكة التونسية في ممالك أروبا إذا جرى ذكر أحاديث الثروة والعمل. ويجد في تعداد مزايا أبناء هاته المدينة ما ينفى به عن التونسي وصمة العجز أو الكسل.
وكأنك بها قد اهتزت وربت متى وصلها ماء مدينة الرومان وتسربت إليها ثروة سبيطلة المالية والزراعية مع مائها. والتاريخ يقص علينا ما كان لتلك المدينة الغابرة من الثروة الغزيرة والأموال الذريعة حتى أنها صالحت عبد الله بن أبي سرح عام ٢٧ بثلاثمائة قنطار من الذهب الوهاج ، وعند ما استغرب العرب ما عندهم من هاته الكنوز أشاروا إلى حب الزيتون الذي استفادوا منه الثروة واحتجنوا به أموال الأمم البعيدة عنهم يتسرب إليهم ثمنا لدهن الشجرة المباركة إداما لذيذا ودواء مفيدا.
أما المدن الرومانية التي عمرها الإسلام من بعدهم مثل شقبنارية «الكاف» وباجة