بمناوشاتهم وكثرة تنقلاتهم ، لكنهم كانوا عاجزين عن الوقوف والثبات أمام الحديد ومتقن الحركات العسكرية. ومن كتاب «الحلل الموشية في الأخبار المراكشية» فيما يتعلق بعدم الثبات أمام متقن الحركات الحربية ولو في أدوار البساطة في السلاح : قال ابن اليسع : حدثني غير واحد من الموحدين قال : لما نزلنا من جبال تلمسان نريد بلاد زنانة اتبعنا المرابطون فتلاقينا معهم ، فصنعنا دائرة مربعة في البسيط جعلنا فيها من جهاتها الأربع صفا من الرجال بأيديهم القنا الطوال والطوارق المانعة ، ووراءهم أصحاب الدرق والحراب صفا ثانيا ، ووراءهم أصحاب المخالي فيها الحجارة ، ووراءهم الرماة نفوس الرجال وفي وسط المربعة الخيل. فكانت خيل المرابطين إذا دفعت عليهم لا تجد إلّا الرماح الطوال النازعة والحراب والحجارة والسهام ناشرة ، ولحين ما تولي من الدفع وتدبر تخرج خيل الموحدين من طرق تركوها وفرج أعدوها ، فتصيب من أصابت ، فإذا كرت عليهم دخلوا في غاب القنا وكان ذلك اليوم يعرف بيوم منداس ، فقد فيه من جيوش المرابطين ما لا يحصى ، وفي ذلك اليوم ظهر أمر عبد المومن وكثر جمعه. وبالجملة فالفرسان الذين رأيتهم في هذه الألعاب ليس لهم دور مهم ولا أعمال تذكر ، وإنما يجنون على خيلهم بتقديمها ضحايا لشفاء غليل الثيران ، ويثبتون عليها بذلك حجة الجناية فيحكمون فيها سيف القصاص من بعد. وأهم الأدوار هو الأول الذي يظهر فيه الثور بكامل قواه ثم مناوشة الرجال له بالمناديل وإشغاله والانفلات من بين يديه بها. ثم دور أصحاب السهام وشطارتهم في تثبيتها بين كتفيه. أما دور الختام وهو قتله فالغريب أن الناس إذا رأوا الضربة قاتلة صفقوا للقاتل ، ومتى شاهدوها غير كافية أشفقوا على المقتول وطلبوا الكف عنه. فما أعجب أحوال الإنسان! انظر لأعماله في الحروب أيضا تجده كذلك ، تراه صباحا يصب النيران في صفوف القتال ليبيد بها إخوانه بني الإنسان ، وفي المساء متى عثر على جريح منهم أسعفه بالدواء وتمنى له الحياة والشفاء ، كمثل من قال في حسن الاعتذار عن بعض ملوك الدولة العباسية حين اتخذ سهاما من الذهب :
ومن جوده يرمي العداة بأسهم |
|
من الذهب الإبريز صيغت نصالها |