السكان وهي غابات الزيتون. ثم جاء أبو يزيد النكاري البربري صاحب الحمار الأبيض وملأ إفريقية حربا على العبيديين في أول القرن الرابع ، ثم في أواسط القرن الخامس جاء عرب هلال للقضاء الأخير على إفريقيا وهي في منتهى الشباب ونمو الثروة وكثرة الساكن وانتشار العمران وأمن السبل وبسطة العلم والحضارة. فتلاطمت أمواج العنصرين العربي والبربري وطما بحر الأول على الثاني وداسه وشرده وصير باقيه خولا وعبيد جباية. إلى غير ذلك من مثل حروب الميورقي يحيى بن غانية بإفريقية قائما بالدعوة المرابطية في أوائل القرن السابع ضد دولة بني عبد المومن بن علي أصحاب الدولة الموحدية ، وخلف المهدي ابن تومرت بشمال إفريقيا. وما الدولة الحفصية إلا من صنائع دولته ورجالها نواب عنه بتونس في أول أمرهم. قال ابن خلدون في شأنه ما مضمونه : ردد الغزو والغارة على بسائط إفريقية والمغرب الأوسط فاكتسحها ، وكبس الأمصار فاقتحمها ، وانتسف الزرع وحطم النعم إلى أن خربت وعفا رسمها لسني الثلاثين من المائة السابعة ه. ثم ثورات قبائل العرب وإجلابهم على الدولة الحفصية مرة بعد أخرى ، وأحيانا يجئجئون عليها ببعض قرابة الملك وأعياص النسب ، حتى قاسموها المملكة واستبدوا بمحصولات الضواحي ونالوا الإقطاعات من بعض القرى والواحات. وقد نبهنا في المقدمة بقسم السفر المالي وبفصل التغلب والاستيلاء ، على أن الحروب الداخلية من العيث والفساد وضعف الحكومة وانشقاق الأمة إلخ ما بصحيفة ١٤.
ومن أعظم الفتن في القرون الأخيرة المقارعات بين تونس والجزائر ، ثم عواقب الشقاق بين المراديين وأعمال مراد بوبالة وخليل باشا والي طرابلس ، وبالأخص في القيروان ، التي سبى نساءها وذراريها بعد ما استأصل رجالها بذراع التمار ، وحرثها بعد ذلك مراد بوبالة في أوائل القرن ١٢. ثم حروب يونس بن علي باشا في أواسط القرن ١٢ فمنيت إفريقيا جراء هاته الحروب بنقص الأموال والأنفس والثمرات. أما قبائل هلال وسليم والعرب الذين طمسوا معالم إفريقيا وانتزوا على كورها فليسوا كبقية العرب أصحاب المكارم وطيب الجوار ، بل هم من الشهرة بمكان في العيث والفساد ، وكانوا في نيل مصر تحت نير الضغط والمراقبة من العبيديين الذين جمعوهم في صعيد واحد وكفوا عاديتهم عن السكان ، إلى أن ألجأهم المعز بن باديس بكفران