نحو العشرين تحت الصفر ، وتجمد دماء كثير من أبنائها المعتادين بها ، فيموتون وتسقط أعضاؤهم وأسنانهم منه. سمعتهم يعبرون عنه بالفصل المبغوض تذمرا مما يلاقونه فيه. وكثرة الإقامة في فرانسا تستدعي إنفاقا أكثر من المعتاد ، فالمصاريف في باريز لا تتجاوز عشرين فرنكا يوميا على شرط الاعتدال في السكن والمأكل والمركب والنزهة. ومن أراد أن يصرف أكثر من ذلك فلا يجد حدا يقف عنده ولا بغية تخطر بباله يعوزه أمرها ما دام متساهلا في بذل المال.
٣. «الجغرافيا والتاريخ» قد انتفعت بهاذين العلمين في السفر والجغرافيا دليل الغريب والتاريخ مفتاح كلامه ، وهل يستفيد الدخيل بدون مفتاح أو دليل؟ ومن درس التاريخ عرف نسبه لآدم. وقرابته من عائلات العالم. والجهل بالنسب والعائلة نوم في حياة الوجود ، وتفريط في أمر محمود. وجدت أهالي فرانسا يستغربون معرفة التونسي للتاريخ والجغرافيا ، وليس الاستغراب من جهة ذات التونسي لأنهم يعلمون ذكاء أبناء المملكة التونسية ومقدرتهم على تحصيل العلوم والنبوغ فيها من قديم الزمان ، والفرنساويون أهل إنصاف وإذعان للحجة الصحيحة. كما لا يجهلون أن مثل هاته العلوم قد بلغ فيها العرب أقصى درجة يمكن الوصول إليها في تلك العصور التي أناروها بالمعارف في آسيا وإفريقيا وغربي أروبا «الأندلس». فتاريخ ابن خلدون هو عمدة المؤرخين في جميع اللغات إلى الآن ، وقد مضت على قواعده خمسة قرون ، وهو الذي اعتنى بذكر أسباب الحوادث والانقلابات وعللها ، وقد أغفلها كثير من المؤرخين. كما ابتكر هذا الفيلسوف ما لم يسبقه واخترع بقلمه ما دل على سعة تبحره في علوم اللغة والتاريخ والاجتماع والسياسة فالناس عالة على كتابه فيما لا يوجد بسواه ، ويغبطونه على ما آتاه الله. وإليك مذاهب المؤرخين الأروباويين في أسباب وعلل الحوادث : فمذهب تيارس الفرنساوي في التاريخ أن كل التأثير في الوقائع التاريخية والحوادث لعلل طبيعية وأسباب خفية لا نرى أفاعيلها المختلفة ، نعم للإنسان تأثير على ذلك ضعيف للغاية. بخلاف مذهب من يرى أن الحوادث لا علة لها وإنما هي طبيعية بحتة.
وثالث الآراء يذهب إلى أن لها عللا وأسبابا كلها في عهدة الإنسان. والأول أحسن المذاهب لأن للإنسان أثرا ما في نتائج الأفكار وظهور الحوادث ، وقد تساعد