التأثيرات الخارجية ، وهو ما يسمونه طبيعة وبختا ونسميه قدرا مقدورا ، دبره الخالق في الأزل كان ذلك في الكتاب مسطورا. ومن أسباب إبرازه عمل الإنسان ، وأحيانا تكون أعمال الإنسان بلا جدوى ومجهوداته بدون نتيجة ويأبى الله إلّا ما أراد. وربما كان ما يجهد فيه الإنسان نفسه ليستثمره ويجتنبه ينقلب اجتهاده فيه جناية عليه.
أو تكون الثمرات والترقيات للإنسان أكثر مما يعمل وأعلى مما يفكر فتتجارى إليه الأسباب طبعا ، وهي لا بد منها ، ويتهيأ له من كل أمر مراده ويتحقق عيانا ما ليس في طوق المجدود إيجاد أسبابه ، ولا التفكر في طرق أبوابه. لذلك لا تنكر الأسباب والسعي إليها ، فقد تنتج ويصيب المجتهد فيها وما باطن الأمر إلّا بيد المسيطر القدير ومخبوء عن الأبصار ، وفوق مدارك الأفكار ، لحكمة يعلمها. ولمنزله كماله تعالى وعجزنا نقدره حق قدره لأجلها ونتطلب فضله ، وترجع إليه متى عجزنا عن الأسباب ونتائجها. والفيلسوف تيارس لما أدرك هاته الحقيقة لم يحد عن هاته الطريقة.
والجغرافية من عهد المامون وكتبه ، وتأليف العلماء والرحالين من بعد ، هي أساس هذا الفن منذ أحد عشر قرنا. ومن لا يدري علم الجغرافيا لا يعلم مركزه في عالم الكون ، وليس بينه وبين أجناس المخلوقات بون.
حكوا في التنكيت على الجاهل بعلم الجغرافيا ، أن حوتا رأى شبه إنسان سقط في البحر فعزم على انتشاله من الغرق ، وحمله على ظهره وسبح به البحر ليذهب إلى الشاطئ ، ثم عرض له شك في كونه إنسانا فسأله عن البيرى وهو اسم مرسى أتينة وهل يعرفها ، فأجابه بقوله يعرفها جيدا وهي ذات جبال عظمى ، فعلم من ذلك أنه حيوان غير ناطق فمال عليه وأكله. سئل بعض الناس عن أهم المراسي البحرية في مملكته التونسية فأجاب «زغوان» وهذا ذنب لا يغتفر في جانب الإنسان. وفي محادثاتي بعد الرجوع عن أماكن الترحال كان من الناس من يظن أن باريز هي مملكة فرانسا كلها ، وبعض آخر يحسب فرانسا علما على مدينة ، ومنهم من في مخيلته أنها مجاورة لجزيرة العرب لما يسمعون من كون الحجاج يركبون البحر في سفرهم. إلى غير ذلك من أوهام الخيال الذي هو كحاطب ليل بهذا الفن ، والعذر لهم حيث لم يتعلموا. ويبرهن على الاعتناء بعلم الجغرافيا قديما والتقدم فيه بإفريقيا الشمالية أن المعز لدين الله العبيدي الخليفة بالقيروان رسم صورة الأرض على بساط عجيب.