متاعه به إذا كانت إقامته لبلد وجيزة ، أو حتى يختار نزلا مناسبا لا يتطلب عليه سعرا وافرا. أما إذا كان مصحوبا بأثقاله فصاحب النزل يزيد في القيمة علما منه بأن المسافر لا يرفض ما عين له لمشقة الطواف على المنازل ، وحقائبه من ورائه تغري رب كل نزل بأن يرفع الأسعار في وجه صاحبها.
١٠. يختار المسافر اللون المناسب في اللباس القابل لتحمل عوارض الطقس وأهوية الأقطار المقصودة والملايم صحة وترحالا.
وفي أروبا يناسب اللون الداكن الذي لا تغيره بسرعة قتام الماكينات ولا دخانها أو كثرة الأمطار ، أو سواد الفحم الحجري المتطاير من القطار أكثر مما بقطارات إفريقيا.
والسواد هناك أكثر التصاقا بالثياب العربية التي هي في الغالب بيضاء أو زاهية. ولعل برد الهواء بقطرهم يقضي على دخان القطارات ، وكذلك سائر الماكينات الكثيرة عندهم ، بالبقاء متكاثفا والتحليل إنما يكون بالحرارة كما أن الرطوبات التي في الهواء يصل بها الدخان وفتات الفحم الحجري إلى الثياب نديا فتتلوث سريعا وتحتاج أطراف البدن إلى تجديد الغسل. وأكسيتهم وجب أن تكون سوداء طوعا أو كرها مثل جدران بناءاتهم ، فلهم العذر في اختيار لون السواد لباسا. وبالجملة فالمسافر يستصحب ثيابا من اللون الملايم لهذا الصقع ، وإذا قدر أن يلبس الثياب التي ألبسها المعز بن باديس في القرن الخامس للقيروان فليفعل. حدث ابن شرف أن المعز بن باديس في ٢ جمادى الأولى عام ٤٤٣ أمر بإحضار جماعة من الصباغين وأخرج لهم ثيابا بيضا من فندق الكتان وأمرهم أن يصبغوها سودا فصبغوها بأحلك السواد ، وجمع الخياطين فقطعوها أثوابا ثم جمع الفقهاء والقضاة إلى قصره وخطيبي القيروان وكساهم ذلك السواد ونزلوا بأجمعهم وركب السلطان بعدهم حتى وصل إلى جامع القيروان ثم صعد الخطيب المنبر وخطب خطبة أتى فيها على جميع الأمراء بأجزل لفظ وأحسن معنى.
مرت بنا السفينة إثر تحرير لوازم السفر على شاطئ المرسى وجبل سيدي أبي سعيد ومدينة قرطاجنة فتراءى لنا بياض البناءات غريبا فعلمت سبب وصفهم تونس بالبيضاء ، كما ظهر لنا أديم الأرض قاحلا موحشا كل ذلك لما اعتدناه من النظر لبناءاتهم وأرضهم.