النخلي الذي تكررت رحلاته إلى الشرق والغرب. ومن تونس صديقنا الماجد السيد الحبيب ابن الشيخ النشيط الشهير المتجول في القارات الثلاث. وصاحبنا النشيط السيد محمد جمال بتونس الذي اجتمعت به في فيشي ناسجا على منوال والده الحازم ينشر البضايع الشرقية في المصيف بأروبا وفي الشتاء في صحراء الجزائر ببسكرة التي يقصدها الأروباويون ، فهو يصطاف بلد الثلج ويشتو بلد التمر. والتجارة ربح وراحة ، والسيد الشاذلي الخلصي بتونس والسيد عبد الرحمان اللوز بصفاقس ، والسيد علاله ابن الحاج الرحالة سنويا بالعطورات التونسية إلى أروبا. وقد شاهدت مركز دكانه في المجكستي بباريز وحسن الذوق في تنسيقه وطيب الرايحة التي قاد بها الأنظار ، وجمع حوله سكان باريز في الليل والنهار. وفي تجارة الكتب والسفر لجلبها وترويجها ، وبالأخص للنفيس منها والعتيق الغريب يد طولى لصاحبنا السيد محمد الأمين الكتبي ، وشيخ الجميع الثقة الخبير سيدي الحاج محمد المبزع الذي شد الرحال إلى الهند وبغداد والقسطنطينية وأروبا. وفي القديم سافر محمد بن سعدون القيرواني في أواسط القرن الخامس بقصد التجارة فطاف بلاد المغرب والأندلس وهو من أهل العلم والتأليف.
وأكثر أصحاب الاغتراب في التجارة بالمملكة التونسية أهالي صفاقس وجربة والمنستير ، وأبناء البلد الأخير مثل أبناء مدينة نابل وقرى الساحل ممن يستسهلون الاغتراب في طلب العلم وتولي الوظائف كما سيأتي في القسم السياسي.
وقد يكون السفر لطلب الرزق بالممالك البعيدة التي تحتاج لأرباب الحرف والصنائع إما لثروة تلك المملكة وكثرة أعمالها التي تستلزم الاستعانة بأيدي أفراد البشر النائين أو لافتقار السكان الأصليين لمن يستخرج كنوز أراضيهم ويدير دولاب شئونهم الداخلية.
وهكذا كانت القارة الجديدة «أمريكا» ، ولا زالت إلى الآن في دوري تأخرها وترقّيها وجهة المهاجرين من القارات القديمة حتى عبر عنها بعض أرباب الرحلات ببلاد الذهب. وهذا المعدن الشريف نور يتهافت عليه فراش البشر في ليل الحياة المدلهمة التي لا يعرف صاحبها أين يذهب ، ولا في أي مكان يبيت أو يصبح ، فكلما لاحت له بارقة نجاح طار إليها.