دينية بالقدس. وقد أجهد الشماس العطش في بعض الأيام وأشرف على الهلاك فجاد عليه بالماء عمرو بن العاص ، والعرب كرام ، ثم نام الشماس وسعت نحوه حية فقتلها عمرو ، ومن أخلاق العرب حفظ الجوار ، فلما استيقظ الشماس وعلم قيمة هاتين المزيتين طلب منه أن يزوره في بلده الإسكندرية حيث كان منقطعا عن أهله وماله ولا يقدر على مكافأته عن إحيائه له مرتين. نجاه من العطش والحية معا. وعند ما حل سيدنا عمرو بالإسكندرية قابله الشماس بكل حفاوة وإكرام في إقامته وعودته. سافر عبد الرحمان بن أنعم قاضي إفريقية من القيروان في أواسط القرن الثاني إلى بغداد لزيارة أبي جعفر المنصور صاحبه من عهد التعليم ـ وحلقات العلم من أعظم أسباب التعارف المتين لرجال المستقبل وحكى عن نفسه قائلا : كنت أطلب العلم مع أبي جعفر المنصور أمير المؤمنين قبل الخلافة فأدخلني يوما منزله فقدم إلي طعاما ومريقة من حبوب ليس فيها لحم ثم قدم إلي زبيبا ثم قال يا جارية : عندك حلواء؟ قالت : لا. قال : ولا التمر؟ قالت : ولا التمر. فاستلقى ثم قرأ هذه الآية (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). قال فلما ولي المنصور الخلافة أرسل إلي فقدمت عليه فدخلت والربيع قايم على رأسه فاستدناني وقال يا عبد الرحمان ، بلغني أنك كنت تفد إلى بني أمية. قلت أجل. قال : كيف رأيت سلطاني من سلطانهم وكيف ما مررت به من أعمالنا حتى وصلت إلينا. قال فقلت : يا أمير المؤمنين رأيت أعمالا سيئة وظلما فاشيا ، وو الله يا أمير المؤمنين ما رأيت في سلطانهم شيئا من الجور والظلم إلّا ورأيته في سلطانك وكنت ظننته لبعد البلاد منك فجعلت كلما دنوت كان الأمر أعظم. أتذكر يا أمير المؤمنين يوم أدخلتني منزلك فقدمت إلي طعاما ومريقة من حبوب لم يكن فيها لحم ثم قدمت زبيبا ثم قلت يا جارية عندك حلواء قالت : لا. قلت : ولا التمر. قالت : ولا التمر. فاستلقيت ثم تلوت (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) فقد والله أهلك عدوك واستخلفك في الأرض ، ما تعمل؟ قال فنكس رأسه طويلا ثم رفع رأسه إلي وقال : كيف لي بالرجال؟ قلت : أليس عمر بن عبد العزيز كان يقول : إن الوالي بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها ، فإن كان برا أتوه ببرهم وإن كان فاجرا أتوه بفجورهم. فأطرق طويلا فأومأ إلي الربيع أن اخرج