والتلون في حلل مائه. ليس لمجاوري هذا البحر راحة ولا هدو من قديم الزمان ، والأمم تتهافت على سكنى شواطئه الطيبة الهناء وامتلاك وارف ظلالها وأراضيها الخصبة والجيدة التربة. المحفوفة بالمكاره والصعوبات ، والهجوم والغزوات. فكم تخطفت به ظلما من أرزاق ، وأسرت من عدوتيه نفوس بريئة وأريقت على جوانبه من دماء للدفاع عن المقر أو سلامة الشرف أو الانتقام له ، وامتلاك مكاسب الغير هجوما من قوم آخرين. وتاريخ هذا السام الأبيض أو الثعبان الأخضر التلون لسكان عدوتيه أمنا وبؤسا وراحة وشقاء وحلاوة ومرارة. رأسه الأسود في جهات البلغار القديمة ويداه بأراضي الفراعنة جنوبا وجزر أمم الإكريق شمالا ، ورجلاه في ممالك الرومان بالعدوة الشمالية ومجالات بربر إفريقية بالعدوة الجنوبية وذنبه بين جبل طارق وطنجة.
وقد اندلع هذا اللسان من المحيط الأطلانتيكي مشرقا سالكا بين أروبا شمالا وإفريقيا جنوبا ، حتى إذا ضرب بصدره في غربي آسيا وضع رأسه في أعالي الشمال واستنام بين قارة آسيا وأروبا ، وأرسى بأطراف جوارحه ومكن مخالبه في شواطي القارات الثلاث أروبا وآسيا وإفريقية. طوله نحو أربعة آلاف وخمسمائة ميل ، وعرضه بين تونس ومرسيليا ثمانمائة وخمسة وثمانون ميلا ، وعمقه نحو أربعة أميال ونصف ودرجة حرارته نحو ٢٥ درجة على السطح. ضرب بعصا يمينه البر «بالمهندس لسبس الفرنساوي سنة ١٢٨٦ ـ ١٨٦٩» بين مصر والحجاز فانفلق ما بين إفريقيا وآسيا وفرق ما بينهما على القاعدة القديمة (فرق تملك). ويقال إنه في القديم حال أيضا بين هاتين القارتين ولاكن صير فيما بعد يبسا وفي كتاب «تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن». عندما استولى ملوك الفرس على مصر فكروا في حفر ما بين البحرين القلزم والرومي ، ولكن توهموا ارتفاع ماء القلزم على أرض مصر فأحجموا ، وفي دولة اليونانيين وصل بينهما بطليموس الثالث على يد أرسمدس بلا ضرر. فلما كانت دولة الروم القياصرة طموه منعا لمن يصل إليهم من أعاديهم. ولما عزم الرشيد على إيصال بحر السويس إلى البحر الأحمر قال له جعفر البرمكي حيث خاف من سطو أمم البحر الأبيض على ثغور آسيا إن خرق السويس ووصله بالبحر الأحمر خرق في الإسلام ، وأشار بأنه يجب سده لو وجد متصلا بالبحر الأحمر.
لذلك عبرت أمم آسيا إلى إفريقيا على طريق مصر بسهولة وامتزج أبناء سام بأبناء