عمهم حام. وأبناء حام لا يزالون من قديم تصيبهم دعوة جدهم نوح بأن يكونوا خولا وعبيدا لأبناء عميهم ، قرر ذلك ابن خلدون. ونص عبارة التوراة : ملعون كنعان (ابن حام) عبد العبيد يكون لإخوته. مبارك الرب إله سام. وليكن كنعان عبدا لهم.
ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام وليكن كنعان عبدا لهم. جرى البحر الأبيض في عهد الدولة الخديوية المصرية إلى البحر الأحمر وربط وصلة التعارف بين البحرين العظيمين الأطلانتيكي والهادي وصار مجمعا في أراضي الدنيا القديمة فكأنه اليربوع جعل نافقة ليجد مخلصا يوما ما إذا سد عليه بوغاز جبل طارق.
فعظمت في الواقع بذلك سلطته وزادت أهمية مركزه وامتدت عروق تغلبه. وليته صار كله يبسا أو جعل له نفق تحت الأرض بين إفريقيا وأروبا مثل الذي فكروا فيه ببحر المانش على ضيق مسافة عرضه بين فرانسا وأنكلترا لتستريح أمم القارات من ويلاته ، وأرباب الأسفار من نكباته ، وسكان الشواطىء من روعاته ، وموازين الدول من نفقاته. وتتعارف الأمم المفرق ما بينهما بحد سيفه ، حيث المجتاز عليه كالمار على الصراط وتتآخى بانقطاعه الممالك بموجب الجوار وسهولة المواصلة ، وتزول الخلافات ويرتفع اللبس ، ويرى كل فريق صاحبه عيانا ويتعرف لغته وخلقه وعوايده ، وتنقشع سحب الوهم من بعض أفكار قوم في احتقار قوم آخرين أو ظن النقص في جانبهم من أصل الخلقة أو عارض الاعتقاد.
نعم قد حال هذا السيف الأبيض بين أمم القارات وأرهف حده للممالك التي على حفافيه ، والجزر الناهدة على صدره ، يسكن في بعض الأحيان هياجه فتطمئن له النفوس البسيطة فيمازجونه وينامون بجواره على طيب الهواء وصفاء الماء ، ثم يفور تنور لهيبه ويغلو مرجل البغضاء بمائه فيضرب الأمم بعضها ببعض ليبتلع من فرايصها ما يقتات به حوت بطنه ، ويلتقم من المراكب والذخاير والنفايس ما يكتنزه ظلما في ظلمات أعماق أمعائه ، والبحار ذات ولع بالذخائر والجواهر. واليوم معدل نكباته أن يبتلع يوميا مركبا كأن ذلك معاوضة بما أكله البشر منه لحما طريا واستنشقه هواء نقيا. وفي العام الفارط طغى على أكبر سفينة وهي تيتانيك ، فابتلعها بما فيها من مال ورجال. ويوم نزلت تيتانيك إلى البحر للمرة الأولى قامت الصحافة الأنكليزية تفاخر بها وتلقبها بسيدة البحار ، وتحسب زيادة إتقانها ثمرة ما أتته الهندسة البحرية