إلى اليوم لأنها تقل ٣٥٠٠ راكب يمكن لألف وخمسمائة منهم أن يتناولوا الطعام في آن واحد ، وهي لشركة هويت الأنكليزية ، وأكبر بواخر العالم ، تحمل ٠٠٠ ، ٦٤ طن ، وأبحرت للمرة الأولى من مدينة سوثمبتون في العاشر من شهر أفريل الماضي ١٩١٢ قاصدة البلاد الأميريكية حاملة من الركاب ٢٢٠٩ ، بينهم كثير من أصحاب الأموال الطايلة والشهرة البعيدة. وكانت تسير بسرعة ٣٠ عقدة في الساعة ، أي سبعة وثلاثين كيلوميترو حين اعترضها في منتصف الليل جبل من الجليد منحط من القطب الشمالي فاصطدمت به صدمة قوية فتحت في مقدمتها ثغرة كبيرة اندفعت فيها المياه بقوة هايلة أوقعت الرعب بقلوب من فيها من ركاب وبحارة. ولما رأى الربان شدة الخطر أوعز إلى مأمور المركونوغراف فيها أن يطير البرقيات في عرض الأوقيانوس يطلب النجدة من البواخر الماخرة فيه. وكانت كرباتيا ، وهي أول باخرة وصل إليها النبأ ، تبعد نحو ١٧٠ ميلا عن محل الفاجعة فلم تتمكن من إدراكها إلّا وقد قضي الأمر. وغدت تيتانيك إلى الأبد في قعر البحر ولم ينج من الباخرة إلّا ١٧٥ راكبا.
وظلت تلك الباخرة الجبارة أربع ساعات في نزع هايل ثم اختفت عن الأبصار. حكى ذلك البرق البيروتي. وكأن البحر شح بها فادخرها في خزاينه ـ ومن قبل ابتلع سفينة القاضي أبي بكر بن العربي الأندلسي ومعه أبوه في وجهة السفر السياسي بين يوسف بن تاشفين وبغداد في أواخر القرن الخامس هجري ورمى بهما على شاطي برقة. وسفينة أبي الحسن المريني سلطان المغرب الأقصى وقذف جسده على شاطىء بجاية ، ومن بين النفايس التي بها والذخاير الملوكية عقد المجوهرات الغالية ويسمى بالثعبان ، في نصف المائة الثامنة ـ وماء البحار بالنفايس مولع. وابتلع السفينة التي بها عائلة ابن خلدون ومكاسبه بين تونس والإسكندرية بما أحزن ذلك العالم الرحالة في أواخر عمره ولولا أنه فيلسوف المؤرخين لمات غما من الحادثة.
كثيرا ما تتمزق من هياج البحار أرحام القرابة بين أبناء نوح في أثافي القارات الثلاث ، ويتسع خرق الخلاف لبعد الشقة ويسوء التفاهم لاختلاف اللغة. والبعد عن العين من أسباب البعد عن القلب. واختلاف اللغات من أسباب سوء التفاهم في مصالح الحياة. مكن البحر الأبيض القرطاجنيين ، النازحين من صور الشام وهم عرفوا امتطاء البحار وطرقها من قبل المسيح بقرون ١٥ ، من تأسيس مستعمرة أتيكا