من النور ، يأخذ بمجامع القلوب حتى يخيّل لكلّ من في المجلس أنّ المحل قد طاربهم ، وهذا المجلس لم يتقدّم لأحد بناء مثله ، لا في الإسلام ولا في غيره ، وإنما تهيأ للناصر لكثرة الزئبق في ملكه.
وأجرى الناصر إلى الزهراء المياه ، وأحدق بها البساتين ، وبنى فيها مسجدا من أبدع المساجد ، وقيل : إنّ العمل في الزهراء استمرّ أربعين سنة من ملك الناصر ، وقيل : إنّه كان بقصر الزهراء من الوصفاء ثلاثة عشر ألفا ، وكان الجاري لهم من اللحم فقط كلّ يوم عدا الطير والحوت ثلاثة عشر ألف رطل ، وكان في القصر من الجواري والخوادم أكثر من ستة آلاف امرأة ، وقيل : إنّ المرتب من الخبز لحيتان الزهراء السابحة في بركها العظيمة اثنا عشر ألف خبزة كل يوم.
قالوا : وكان يرد من الجير والجص في كلّ ثالث من الأيام إلى الزهراء ألف ومئة حمل ، وقدّر بعض أهل الخدمة في الزهراء أنّه كان ينفق فيها كلّ عام ثلاثمئة ألف دينار ، وأنّ ذلك استمرّ خمسا وعشرين سنة ، إلى نهاية ملك عبد الرحمن الناصر.
وذكروا أنّ الحوض المنقوش المذهّب الذي جلبه الفيلسوف أحمد مع ربيع الأسقف من القسطنطينية لم يكن وحده ، بل جلبوا إليه أيضا حوضا آخر ، يقال له : الحوض الصغير ، أخضر منقوشا بتماثيل الإنسان ، وأنّ الناصر نصبه في بيت المنام بالمجلس الشرقي ، وجعل عليه اثني عشر تمثالا من الذهب الأحمر ، مرصعة بالدّرّ النفيس الغالي ، مما عمل بدار الصناعة بقرطبة : صورة أسد ، إلى جانبه غزال ، إلى جانبه تمساح ، وفيما يقابله ثعبان وفيل ، وفي المجنبتين حمامة وشاهين وطاووس ، ودجاجة وديك وحدأة ونسر ، وكل ذلك من ذهب مرصّع بالجوهر النفيس ، ويخرج الماء من أفوهها.
قالوا : وفي يوم الخميس لسبع بقين من شعبان سنة تسع وعشرين وثلاثمئة كمّل الناصر بناء القناة الغريبة الصنعة ، التي أجراها بالماء