كلّ ليلة جمعة رطل عود ، وربع رطل عنبر ، وكان من فيه من الأئمة والمؤذنين والسدنة نحو (١٥٠) رجلا ، وروى بعضهم (٣٠٠) ويجوز أن يختلف العدد باختلاف الأوقات.
وقالوا : إنّ الحكم المستنصر بنى لهذا الجامع أربع ميضآت ، منها ثنتان للرجال ، وثنتان عند مقاصير النساء ، وأجرى في جميعها الماء من سفح جبل قرطبة ، وصبّها في أحواض رخام.
وأجرى فضل هذا الماء العذب إلى سقايات اتخذهنّ على أبواب الجامع ، وهي جواب ثلاث من حياض الرخام ، اقتطعها من مقطع المنستير بسفح جبل قرطبة ، واحتفر الرخاميون هناك أجوافها بمناقيرهم في المدة الطويلة ، حتى استوت في صورها البديعة ، فخفف ذلك من ثقلها ، وأمكن من إهباطها إلى أماكن نصبها بأكناف المسجد الجامع ، فتهيّأ حمل الواحدة منها فوق عجلة كبيرة ، اتخذت من ضخام خشب البلّوط ، على قلل موثّقة بالحديد المثقف ، محفوفة بوثاق الحبال ، قرن لجرّها سبعون دابة ، ومهدّت قدامها الطرق ، وتيسّر نقلها في مدة (١٢) يوما ، فنصبت في الأقباء المعقودة لها.
وابتنى الحكم المستنصر غربي الجامع دار الصدقة ، واتخذها معهدا لتفريق صدقاته المتوالية ، وابتنى للفقراء البيوت قبالة باب المسجد الكبير.
وربما ينسب بعض القراء شيئا من هذه الروايات إلى المبالغة ، ويجوز أن يكون فيها زيادة في الوصف ، لأجل نقل الحقيقة إلى ذهن السامع ، إلا أنّ كثيرا من هذه الآثار محفوظ إلى اليوم ، فجامع قرطبة لا يزال قائما ، وإن كانت الزهراء والزاهرة وغيرهما قد درست ، وقصر إشبيلية لا يزال قائما ، وحمراء غرناطة لا تزال ماثلة ، ومباني العرب في طليطلة أكثرها لم يتهدّم ، وكلّ من رأى الباقي من تلك الآثار لا ينسب مجمل تلك الروايات إلى المبالغة.