ثلاث سنين ، ونقلوها إلى المنازل التي هي على الطريق ، وطينوا عليها ، فصارت كأنها تلال.
فلمّا كان صفر من سنة أربع وخمسين وخمسمئة سار عبد المؤمن من مراكش يؤمّ بلاد أفريقية ، واجتمع عليه من العساكر مئة ألف ، ومن السوقة والأتباع أمثالهم ، وكان هذا الجند يمتدّ أميالا ، وبلغ من حفظه وضبطه أنّهم كانوا يمشون بين الزروع ، فلا تتأذّى بهم سنبلة ، وإذا نزلوا صلّوا بإمام واحد ، بتكبيرة واحدة ، لا يتخلّف منهم أحد كائنا من كان ، ولم يزل يسير إلى أن وصل إلى مدينة تونس ، وأقبل أسطوله في البحر في سبعين شينيا وطريدة وشلندا ، ونازل البلدة ، وأخذها ، وسار إلى المهدية وأسطوله يحاذيه في البحر ، وكان بالمهدية يومئذ خواص الإفرنج من أولاد ملوكها ، وأبطال فرسانها ، وأخلوا مدينة زويلة ، ودخلها عبد المؤمن بعساكره ، والسوقة الذين معهم ، فصارت مدينة معمورة في ساعة واحدة ، ونزل بظاهرها من لم يجد موضعا فيها ، وانضاف إلى جيش عبد المؤمن من صنهاجة والعرب ما لا يدخل تحت إحصاء ، وأقبلوا يقاتلون المهدية ، فلا يؤثر فيها لحصانتها ، وضيّق مجال القتال عليها ، لأنّ البحر دائر بأكثرها ، فكأنّها كفّ في البحر ، وزندها متصل بالبر ، وركب عبد المؤمن شينيا ، ومعه الحسن بن علي الصنهاجي ، وتطوّف بها في البحر ، فهاله ما رأى من حصانتها ، وعلم أنّها لا تفتح بقتال برا ولا بحرا ، وليس لها إلا المطاولة ، وقال للحسن : كيف نزلت عن مثل هذا الحصن؟ فقال له : لقلة من يوثق به ، وعدم القوت ، وحكم القدر ، فقال : صدقت ، وعاد وأمر بجمع الغلات والأقوات ، وترك القتال ، فلم يمض غير القليل ، حتى صار في المعسكر مثل الجبلين من الحنطة والشعير. فكان من يصل إلى المعسكر من بعيد يقول : متى حدثت هذه الجبال؟ فيقال : هي حنطة وشعير ، فيقضي العجب مما يرى ، وتمادى الحصار ، وفي أثنائه استولى عبد المؤمن على